الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
739 700 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين . فإذا استوت به راحلته أهل .

701 - وذكر ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله أنه سمع [ ص: 97 ] أباه يقول : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها . ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد . يعني مسجد ذي الحليفة .

702 - وعن نافع ; أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة . ثم يخرج فيركب ، فإذا استوت به راحلته أحرم .

[ ص: 98 ] 703 - مالك بلغه أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته ، وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك .


15592 - قال أبو عمر : أما حديث هشام بن عروة فلم يختلف الرواة عن مالك في إرساله ، ومعناه قد روي من وجوه ، ذكرت أكثرها في " التمهيد " .

15593 - وفيه من الفقه أن الإهلال سنته أن تكون قبله صلاة نافلة أقلها ركعتان ثم يهل بإثرها ويركب فيهل أيضا إذا ركب .

15594 - حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثني عيسى بن إبراهيم عن ابن وهب ، قال : أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب ، أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركب راحلته بذي الحليفة ، ثم يهل حتى تستوي به قائمة .

15595 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : [ ص: 99 ] حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن محمد بن المنكدر ، عن أنس ، قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعا ، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح ، فلما ركب راحلته واستوت به أهل .

15596 - قال أبو عمر ، يعني بعد أن ركع الركعتين اللتين في حديث هشام بن عروة بعد طلوع الشمس ، وأحرم بإثرهما .

15597 - وأما قوله في حديث موسى بن عقبة " بيداؤكم هذه " فإنه أراد موضعكم الذي تزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يهل إلا منه ; قال ذلك ابن عمر منكرا لقول من قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أهل في حجته حين أشرف على البيداء ، والبيداء الصحراء . يريد بيداء ذي الحليفة .

15598 - وأما قوله : " ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، فالإهلال في الشريعة هو الإحرام ، وهو فرض الحج ، وهو التلبية بالحج أو العمرة ، وقوله " لبيك اللهم لبيك وينوي ما شاء من حج أو عمرة .

15599 - واتفق مالك ، والشافعي على أن النية في الإحرام تجزئ عن الكلام ، ولا قضاء .

15600 - وناقض أبو حنيفة فقال : إن الإحرام عنده من شرطه : التلبية ، ولا [ ص: 100 ] يصح إلا بالنية كما لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالنية والتكبير جميعا .

15601 - ثم قال فيمن أغمي عليه فأحرم عنه أصحابه ، ولم يفق حتى فاته الوقوف بعرفة : يجزئه إحرام أصحابه عنه .

15602 - وبه قال الأوزاعي .

15603 - قال مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد : من عرض له هذا فقد فاته الحج ولا ينفعه إحرام أصحابه عنه .

15604 - وناقض مالك أيضا ، فقال : من أغمي عليه فلم يحرم فلا حج له ، ومن وقف بعرفة مغمى عليه أجزأه .

15605 - وقال بعض أصحابنا : ليس بتناقض ; لأن الإحرام لا يفوت إلا بفوت عرفة ، وحسب المغمى عليه أن يحرم إذا أفاق قبل عرفة . فإذا أحرم ثم أغمي عليه فوقف مغمى عليه أجزأه من أجل أنه على إحرامه .

[ ص: 101 ] 15606 - قال أبو عمر : الذي يدخل علينا أن الوقوف بعرفة فرض ، ويستحيل أن يتأدى من غير قصد إلى أدائه كالإحرام سواء ، وكسائر الفروض لا تسقط إلا بالقصد إلى أدائها بالنية والعمل حتى يكملها ; هذا هو الصحيح .

15607 - ووافق أبو حنيفة مالكا فيمن شهد عرفة مغمى عليه ولم يفق حتى انصدع الفجر .

15608 - وخالفهما الشافعي فلم يجز للمغمى عليه وقوفا بعرفة حتى يصبح عالما بذلك ، قاصدا إليه .

15609 - وبقول الشافعي قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأكثر الناس .

15610 - واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه لحجته من أقطار ذي الحليفة .

15611 - فقال قوم : أحرم من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه .

15612 - وقال آخرون : لم يحرم إلا من بعد أن استوت به راحلته بعد خروجه من المسجد .

15613 - وقال آخرون : إنما أحرم حين أطل على البيداء وأشرف عليها .

15614 - وقد أوضح ابن عباس المعنى في اختلافهم .

15615 - فأما الآثار التي ذكر فيها أنه أهل حين أشرف على البيداء ف :

15616 - روى أشعث ، عن الحسن ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى [ ص: 102 ] الظهر ثم ركب راحلته ، فلما علا على جبل البيداء أهل .

15617 - وروى شعبة ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرم من البيداء . وربما قال : من المسجد حين استوت به راحلته .

15618 - رواية شعبة لهذا الحديث عن موسى بن عقبة مخالفة لرواية مالك عنه بإسناد واحد .

15619 - وحديث عبيد بن جريج ، عن ابن عمر فيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يهل حتى تنبعث به راحلته .

15620 - وحديث محمد بن إسحاق عن أبي الزناد ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استوت به رحلته ، وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على البيداء .

15621 - - ففي هذه الآثار كلها : الإهلال بالبيداء ، وهي مخالفة لحديث مالك في هذا الباب .

15622 - وقد ذكر أبو داود وغيره هذه الأحاديث كلها ، وهي صحيحة ، [ ص: 103 ] وحديث ابن عباس يفسر ما أوهم الاختلاف بينها ، والحمد لله .

15623 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن منصور ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثني أبي عن ابن إسحاق ، قال : حدثني خصيف ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أوجب حجته ، فقال ، إني لأعلم الناس بذلك : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما صلى بمسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه ، فأهل بالحج حين فرغ من الركعتين فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ذلك ، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا ذلك عنه ، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا ، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل ; فقالوا : إنما أهل حين استقلت به ناقته . ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وقف على شرف البيداء أهل ، وأدرك ذلك منه أقوام ، فقالوا : إنما أهل ، على شرف البيداء .

فمن أخذ من قول ابن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه .

وفي هذا الباب :

التالي السابق


الخدمات العلمية