الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
746 [ ص: 123 ] ( 11 ) باب إفراد الحج

707 - ذكر فيه مالك ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن [ ص: 124 ] [ ص: 125 ] عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع . فمنا من أهل بعمرة . ومنا من أهل بحجة وعمرة . ومنا من أهل بالحج . وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج . فأما من أهل بعمرة ، فحل . وأما من أهل بحج ، أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا . حتى كان يوم النحر .

708 - وعن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج .

[ ص: 126 ] 709 - وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة بن الزبير عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

710 - مالك ; أنه سمع أهل العلم يقولون : من أهل بحج مفرد ، ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة ، فليس له ذلك .

قال مالك : وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا .


15685 - قال أبو عمر : أما قول عائشة في حديث أبي الأسود " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ففيه من الفقه : خروج النساء في شهر الحج مع أزواجهن ، ولا خلاف في هذا بين العلماء .

15686 - واختلفوا في المرأة لا يكون لها زوج ولا ذو محرم منها هل تخرج إلى الحج دون ذلك مع النساء أم لا ؟ وهل للمحرم من الاستطاعة أم لا ؟ سنذكر الاختلاف في ذلك عند قوله ( عليه السلام ) : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم " .

15687 - وفي حديث عائشة إفراد الحج وإباحة التمتع بالعمرة إلى الحج ، وإباحة القران ، وهو جمع الحج مع العمرة ولا خلاف بين العلماء في ذلك ، وإنما [ ص: 127 ] اختلفوا في الأفضل من ذلك .

15688 - وكذلك اختلفوا في الأفضل من ذلك .

15688 م - وكذلك اختلفوا فيما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به محرما في خاصته عام حجة الوداع .

15689 - وأما مالك قال في ذلك بما روي عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعن الأسود ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج .

15690 - وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعائشة ، وجابر .

15691 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب قال في قوله ( عز وجل ) : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] قال : من تمامها أن تفرد كل واحدة منهما من الأخرى ، وأن تعمر في غير أشهر الحج ، فإن الله ( عز وجل . ) يقول : ( الحج أشهر معلومات ) [ البقرة : 197 ] .

15692 - قال أبو عمر : الإفراد أحد قولي الشافعي ، وقول عبد العزيز بن أبي سلمة ، والأوزاعي ، وعبيد الله بن الحسن .

[ ص: 128 ] 15693 - وبه قال أبو ثور .

15694 - وروى محمد بن الحسن ، عن مالك أنه قال : إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان مختلفان ، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر فإن في ذلك ذكر له ، لا أن الحق ما عملا به .

15695 - قال أبو عمر . وقد روى الإفراد عن النبي ( عليه السلام ) : جابر بن عبد الله ، وطرق حديثه وأثره صحاح عنه ، وقد ذكرنا منها في " التمهيد " ما فيه [ ص: 129 ] كفاية .

15696 - والحجة أيضا في إفراد الحج حديث ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة في هذا الحديث ، قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل .

15697 - قالت عائشة : فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج . . الحديث . وروى الحميدي ، عن الدراوردي ، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج .

15698 - والأحاديث عن عائشة مضطربة في هذا جدا .

15699 - واستحب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج ، وقالوا : ذلك أفضل .

15700 - وهو مذهب عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وابن الزبير ، وعائشة أيضا ، وهو مذهب عطاء بن أبي رباح ، وأهل مكة .

[ ص: 130 ] 15701 - وقد روى الثوري ، عن ابن حصين ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه : أنه قرن الحج مع أبي بكر ، وعمر .

15702 - رواه عن الثوري : عبد الرزاق وغيره .

15703 - قال عبد الرزاق : أخبرنا عمر بن ذر ، قال : حججت ; فأمرني أبي أن أفرد الحج فذهبت مع نفر من مكة فسألنا عطاء بن أبي رباح ، فأمرني بالمتعة . فلقيت عامرا الشعبي ، فقال : هيه يا ابن ذر أما اقتاد أهل مكة وما قال لك ابن أبي رباح ؟ قال : ما رأيتهم يعدلون بالمتعة . فقال الشعبي أما أنا فحجة عراقية أحب إلي من حجة مكة .

15704 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وهذا أحد قولي الشافعي .

15705 - واحتج القائلون بذلك بحديث الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وساق الهدي معه من ذي الحليفة . وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ; يتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج .

15706 - قال عقيل : قال ابن شهاب : وأخبرني عروة ، عن عائشة بمثل خبر سالم ، عن أبيه في تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج .

[ ص: 131 ] 15707 - واحتجوا لحديث سعد بن أبي وقاص في المتعة : صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنعناها معه .

15708 - وبحديث عمران بن حصين : تمتعنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعة الحج .

15709 - وبحديث مالك ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ .

15710 - واحتجوا بحديث الثوري ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، وعثمان حتى مات ، وأول من نهى عنها معاوية .

[ ص: 132 ] 15711 - قال أبو عمر : حديث ليث هذا منكر ، والمشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا لا يريان التمتع ولا القران .

15712 - وذكر عبد الرازق عن معمر ، عن أيوب ، قال : قال عروة لابن عباس : ألا تتق الله ترخص في المتعة ؟ فقال ابن عباس : سل أمك يا عرية . فقال عروة : أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا . فقال ابن عباس : والله ما أراكم بمنتهين حتى يعذبكم الله ( عز وجل ) ; نحدثكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحدثونا عن أبي بكر وعمر ؟ .

15713 - قال أبو عمر : قد كان جماعة من العلماء يزعمون أن المتعة التي نهى عنها عمر ( رضي الله عنه ) وضرب عليها : فسخ الحج في عمرة ، فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا .

15714 - وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى عنه لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام .

15715 - وقال آخرون : إنما نهى عنها عمر ; لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخصته فخشي أن يضيع : القران ، والإفراد ، وهما سنتان للنبي ( عليه السلام ) .

15716 - وروى الزهري ، عن سالم ، قال : سئل ابن عمر عن متعة [ ص: 133 ] الحج ؟ فأمر بها ; فقيل له : إنك تخالف أباك . فقال إن عمر لم يقل الذي تقولون ، إنما قال عمر : أفردوا الحج من العمرة فإنه أتم للعمرة .

15717 - أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي ، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما ، وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله ( عز وجل ) ، وعمل بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - . فإذا أكثروا عليه قال : كتاب الله بيني وبينكم ، كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر ؟ .

15718 - وقال أحمد بن حنبل : لا يشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا ، والتمتع أحب إلي .

15719 - واحتج في اختيار التمتع بقوله ( عليه السلام ) : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة " .

15720 - وقال آخرون : القران أفضل ، وهو أحب إليهم ، منهم : أبو حنيفة ، والثوري .

15721 - وبه قال : المزني - صاحب الشافعي - قال : لأنه يكون مؤديا للفرضين جميعا .

[ ص: 134 ] 15722 قال إسحاق : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع قارنا .

15723 - وهو قول علي بن أبي طالب وجماعة من التابعين وغيرهم .

15724 - قال أبو حنيفة : القران أفضل ، ثم التمتع ، ثم الإفراد .

15725 - وقال أبو يوسف : القران والتمتع سواء ، وهما أفضل من الإفراد .

15726 - واحتج من استحب القران وفعله بآثار : منها حديث ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بوادي العقيق : أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة .

15727 - ذكره البخاري ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثنا الوليد ، وبشر بن بكر التنيسي ، قالا : حدثنا الأوزاعي ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عكرمة أنه سمع ابن عباس ، أنه سمع عمر ، فذكره .

15728 - وبحديث الصبي بن معبد ، عن عمر بن الخطاب ، قال الصبي : [ ص: 135 ] أهللت بالحج والعمرة جميعا ، فلما قدمت على عمر ذكرت ذلك له ، فقال : هديت لسنة نبيك ( عليه السلام ) .

15729 - وهذا الحديث حدثناه سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثني سفيان ، قال : حدثنا عبدة بن أبي لبابة وحفظناه عنه غير مرة ، قال : سمعت أبا وائل شقيق بن سلمة يقول : كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبي بن معبد أستذكره هذا الحديث . قال الصبي : كنت رجلا نصرانيا ، فأسلمت ، فخرجت أريد الحج ، فلما كنت بالقادسية أهللت بالحج والعمرة جميعا ، فسمعني سلمان بن ربيعة ، وزيد بن صوحان ، فقالا : لهذا أضل من بعير أهله . فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل . فلقيت عمر بن الخطاب ، فأخبرته ، فأقبل عليهما فلامهما ، ثم أقبل علي فقال : هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .

1573 - ومنها حديث حفصة الذي قدمناه .

15731 - وحديث أنس : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لبيك بحجة وعمرة معا .

15732 - رواه حميد الطويل وحبيب بن الشهيد ، عن بكر المزني ، قال بكر : [ ص: 136 ] فحدثت بذلك ابن عمر ، فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت أنسا فحدثته ، فقال : ما تعدوننا إلا صبيانا : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لبيك بعمرة وحجة معا .

15733 - وهذا الحديث يعارض ما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع . ويحتمل قول ابن عمر أنه لبى بالحج وحده أي من مكة .

15734 - وقالت طائفة من العلماء : لا يجوز أن يقال في واحد من هذه الوجوه وهي : الإفراد ، والتمتع ، والقران أنه أفضل من غيره ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أباحها كلها وأذن فيها ورضيها ولم يخبر بأن واحدا منها أفضل من غيره ولا أمكن منها العمل بها كلها في حجته التي لم يحج غيرها .

[ ص: 137 ] 15735 - وبهذا نقول ، وبالله التوفيق .

15736 - وأما قول مالك أنه سمع أهل العلم يقولون : من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعد بعمرة فليس ذلك له .

15737 - قال مالك : وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا .

15738 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في إدخال الحج على العمرة [ ص: 138 ] والعمرة على الحج .

15739 - فقال مالك : يضاف الحج إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج .

15740 - قال : فمن فعل ذلك فليست العمرة بشيء ولا يلزمه لذلك شيء ، وهو حج مفرد .

[ ص: 139 ] 15741 - وكذلك من أهل بحجة فأدخل عليها حجة أخرى ، وأهل بحجتين لم يلزمه إلا واحدة ولا شيء عليه .

15742 - وبهذا قال الشافعي في المشهور من مذهبه .

15743 - وقال ببغداد : إذا أهل بحجة فقد قال بعض أصحابنا : لا يدخل العمرة عليه والقياس : أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء .

15744 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج .

1545 - قال أبو عمر : يحتمل من قال : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول من قال : إفراد الحج . أي أمر به وأجازه ، وجاز أن يضاف ذلك إليه كما قال ( عز وجل ) : ( ونادى فرعون في قومه . . ) [ الزخرف : 51 ] أي أمر ; فنودي وإذا أمر الرئيس بالشيء جاز أن يضاف فعله إليه ، كما يقال : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا ، وقطع في السرقة وتقول العرب : حضرت زرعي ، ونحو ذلك إذا كان ذلك باد فيه .

15746 - والاختلاف هنا واسع جدا ; لأنه مباح كله بإجماع من العلماء [ ص: 140 ] والحمد لله .

15747 - قال أبو حنيفة : من أهل بحجتين أو عمرتين لزمتاه ، وصار رافضا لإحداهما حين يتوجه إلى مكة .

15748 - قال أبو يوسف ، تلزمه الحجتان فيصير رافضا لإحداهما ساعتئذ .

15749 - . قال محمد بن الحسن : يقول مالك ، والشافعي : تلزمه الواحدة إذا أهل بهما جميعا ولا شيء عليه .

15750 - وقال أبو ثور : إذا أحرم بحجة فليس له أن يضم إليها أخرى ، وإذا أهل بعمرة فلا يدخل عليها حجة ، ولا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة .

15751 - وفي حديث مالك عن أبي الأسود في أول الباب قوله : وأما من جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر .

15752 - ففيه : أن من كان قارنا أو مفردا ألا يحل دون يوم النحر ، وهذا معناه أنه يرمي جمرة العقبة يحل له اللباس ، وإلقاء التفث كله كل الحيل إلا بطواف الإفاضة فهو الحل كله لمن رمى جمرة العقبة قبل ذلك يوم النحر ضحى ، ثم طاف الطواف المذكور ، وهذا لا خلاف فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية