الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
772 734 - عن صدقة بن يسار عنه ، قال : والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي أن أعتمر بعد الحج .


16014 - قال أبو عمر : التمتع الذي قدمنا ذكره عن جمهور العلماء وأئمة الفتوى ثم القران وجهان من التمتع .

16015 - ( والوجه الثالث ) : هو فسخ الحج في عمرة ، وجمهور العلماء يكرهونه ، وقد ذكرنا من مال إليه وقال به في غير هذا الباب من هذا الكتاب .

[ ص: 211 ] 16016 - ( والوجه الرابع ) : ما ذهب إليه ابن الزبير أن التمتع هو تمتع المحصر ، وهو محفوظ عن ابن الزبير من وجوه منها ما رواه وهيب ، قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب ويقول : يا أيها الناس : إنه والله ليس التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ثم يحل ويهدي .

16017 - وأما نهي عمر بن الخطاب عن التمتع فإنما هو عندي نهي أدب لا على تحريم ; لأنه كان يعلم أن التمتع مباح وأن القران مباح ، وأن الإفراد مباح ، فلما صحت عنده الإباحة والتخيير في ذلك كله اختار الإفراد ، فكان يحض على ما هو المختار عنده ولهذا كان يقول : افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج .

16018 - وهذا قد خالفه فيه جماعة من الصحابة القائلين بالتمتع وبالقران أيضا واختاروهما على الإفراد .

16519 - فمن حجة من اختار التمتع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " .

16020 - والصحيح عندي أن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) لم ينه عن التمتع المذكور في هذا الباب ; لأنه كان أعلم بالله ورسوله من أن ينهى عما أباحه الله في كتابه وأباحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به وأذن فيه ، وإنما نهى عمر عند أكثر [ ص: 212 ] العلماء عن فسخ الحج في العمرة . فهذه العمرة التي تواعد عليها عمر .

16021 - وفيها روي الحديث عنه ، أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج .

16022 - يعني فسخ الحج في العمرة ، وعلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز عند أكثر علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم لقول الله - تعالى - : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] يعني لمن دخل فيه .

16023 - ولا أعرف من الصحابة من يجيز فسخ الحج في العمرة ، بل خص به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

16024 - روي عن عثمان بن عفان أنه قال : متعة الحج كانت لنا ، ليست لكم ; يعني أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجه بفسخ الحج في العمرة .

16025 - وقال أبو ذر : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ بعمرة .

16026 - وروى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني ، عن أبيه ، قال : قلت يا رسول الله ، أفسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا ؟ فقال : " بل لنا خاصة " .

[ ص: 213 ] 16027 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في " التمهيد " ، ونذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله .

16028 - وأما قول سعد : قد صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنعناها معه . فإن ظاهره يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا وهذا قد روي فيه من الآثار ما ذكرنا في باب الإفراد .

16029 - ولا يصح عندي أن يكون متمتعا إلا تمتع قران ; لأنه لا خلاف بين العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحل من عمرته حين أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة ، فإنه أقام محرما من أجل هديه إلى محل الهدي يوم ينحر . وهذا حكم القارن لا حكم المتمتع .

16030 - وقد تأول من قال بالإقران قوله : " صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، في حديث سعد هذا ، وفيه حديث عمران بن حصين المذكور .

16031 - وفي قول ابن عمر : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج وساق الهدي : أن ذلك كله أضافوه إليه لأمره به فأشار به ، لا أنه يعلمه في خاصة نفسه كما قالوا : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزاني المحصن ، وقطع السارق ونحو ذلك .

16032 - وهذا اعتلال غير صحيح ، لأنه يلزمهم مثله في رواية من قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج أي أباحه وأذن فيه ولم يفعله في خاصته .

16033 - ولكل واحد منهم حجج يدعو بها يطول ذكرها ، وقد ذكرنا [ ص: 214 ] أصولها وعيونها في " التمهيد " وفي مواضع من هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية