الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 217 ] ( 20 ) باب ما لا يجب فيه التمتع

736 - قال مالك : من اعتمر في شوال ، أو ذي القعدة ، أو ذي الحجة ، ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فليس عليه هدي ، إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج . ثم أقام حتى الحج . ثم حج . وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها . ثم اعتمر في أشهر الحج . ثم [ ص: 218 ] [ ص: 219 ] أنشأ الحج منها ، فليس بمتمتع . وليس عليه هدي ولا صيام . وهو بمنزلة أهل مكة ، إذا كان من ساكنيها .

16055 - سئل مالك عن رجل من أهل مكة ، خرج إلى الرباط أو إلى سفر من الأسفار ، ثم رجع إلى مكة . وهو يريد الإقامة بها . كان له أهل بمكة أولا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ، ثم أنشأ الحج ، وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي - صلى الله عليه وسلم - أو دونه ، أمتمتع من كان على تلك الحالة ؟ فقال مالك : ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام . وذلك أن الله - تبارك وتعالى - يقول في كتابه : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) [ البقرة : 196 ] .


16056 - قال أبو عمر : أما قول مالك : فليس عليه هدي يريد أنه ليس بمتمتع فلذلك لم يلزمه الهدي ، ولو كان متمتعا للزمه الهدي في التمتع عند جمهور [ ص: 220 ] العلماء .

16057 - هذا الذي لا يرجع إلى بلده ويحج من عامه .

16058 - وروي عن الحسن في ذلك خلاف ما عليه الجمهور ، وذلك أنه قال : عليه الهدي حج أو لم يحج ، رجع إلى بلده أو لم يرجع ; لأنه كان يقول : عمرة في أشهر الحج متعة .

16059 - وروى شعبة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتمرون في أشهر الحج ثم يرجعون فلا يهدون فقلت لسعيد بن المسيب : فإن حج من عامه ؟ فقال : فعليه الهدي .

16060 - قال قتادة : وقال الحسن : عليه الهدي حج أو لم يحج .

16061 - وروى هشيم بن بشير ، عن الحسن مثله ، قال : عليه الهدي حج أو لم يحج .

16562 - وروى أشعث ، عن الحسن ، قال : من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله ، ثم حج من عامه ذلك فعليه هدي ، لأنه كان قال : عمرة في أشهر الحج متعة .

16063 - وروى هشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى يحج فهو متمتع وعليه الهدي ، فإن رجع إلى مصره ، ثم حج من عامه فلا شيء عليه .

16064 - قال أبو عمر : على قول سعيد هذا فقهاء الأمصار وجمهور العلماء .

16065 - وقد روي عن طاوس في التمتع قولان هما أشد شذوذا مما ذكرنا عن الحسن .

[ ص: 221 ] 16066 - ( أحدهما ) : أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ، ثم حج من عامه فهو متمتع ، وهذا لم يقله أحد من العلماء غيره فيما علمت .

16067 - وذلك - والله أعلم - أن شهور الحج أحق بالحج من العمرة ; لأن العمرة جائزة في السنة كلها ، والحج إنما موضعه أشهر معلومات فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج ولم يحج العام فقد جعل العمرة في عام كان الحج أولى بها . ثم رخص الله ( عز وجل ) في كتابه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - في العمرة في أشهر الحج للمتمتع وللقارن ولمن شاء أن يفردها في أشهر الحج .

16068 - ( والقول الآخر ) : قاله في المكي إذا تمتع من مصر من الأمصار فعليه الهدي . وهذا لم يعرج عليه أحد ; لظاهر قول الله - عز وجل - : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) [ البقرة : 196 ] .

16069 - وأوجب القول فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عملها في أشهر الحج ، ثم حج من عامه ذلك ، ف :

16070 - قال مالك : عمرته في الشهر الذي حل فيه . يريد إن كان حل منها في غير أشهر الحج فليس بمتمتع . وإن كان حل منها في أشهر الحج فهو متمتع إن حج من عامه .

16071 - وقال الثوري : إذا قدم الرجل معتمرا في شهر رمضان وقد بقي عليه منه يوم أو يومان فلم يطف لعمرته حتى رأى هلال شوال ، فكان إبراهيم يقول : هو متمتع ، وأحب إلي أن يهريق دما .

16072 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن طاف للعمرة ثلاثة أشواط في رمضان وأربعة أشواط في شوال كان متمتعا ، وإن طاف لها أربعة في رمضان وثلاثة في شوال لم يكن متمتعا .

[ ص: 222 ] 16073 - قال الشافعي : إذا طاف بالبيت في أشهر الحج بالعمرة فهو متمتع إن حج من عامه ذلك ، وذلك أن العمرة إنما تكمل بالطواف بالبيت ، وإنما ينظر إلى كمالها .

16074 - وقال أبو ثور : إذا دخل في العمرة في غير أشهر الحج ، فبدأ الطواف لها في رمضان أو في شوال لا يكون متمتعا .

16075 - واختلفوا في وقت وجوب الهدي على المتمتع ، ف : ذكر ابن وهب ، عن مالك أنه سئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج يموت بعدما يخرج بالحج بعرفة أو غيرها أترى عليه هديا ؟ .

16076 - قال : من مات من أولئك قبل أن يرمي جمرة العقبة فلا أرى عليه هديا ، ومن رمى ثم مات فعليه الهدي .

16077 - قيل له : فالهدي من رأس المال أو من الثلث ؟ قال : بل من رأس المال .

16078 - وقال الشافعي : إذا أحرم بالحج فقد وجب عليه دم المتعة إذا كان واجدا لذلك .

16079 - ذكره الزعفراني عنه .

[ ص: 223 ] [ ص: 224 ] 16080 - وهو قول الكوفيين .

16081 - وقال ربيعة : إذا أهل المتمتع بالحج ثم مات من ساعته أو قبل أن يصوم ، ففيه قولان : أحدهما أن عليه دم المتعة ; لأنه دين عليه ولا يجوز أن يصام عنه ، والآخر أنه لا دم عليه ; لأن الوقت الذي قد وجب عليه الصوم قد مات فيه .

16082 - واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم أن المتمتع إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام إذا أحرم بالحج إلى آخر يوم عرفة .

16083 - وهو قول أبي ثور .

16084 - وقال عطاء : لا بأس أن يصوم المتمتع في العشر ، وهو حلال قبل أن يحرم .

16085 - وقال مجاهد ، وطاوس : إذا صامهن في أشهر الحج أجزاه .

16086 - وقال مالك : إن صام بعد إحرامه بالعمرة ، وهو يريد أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لم يجزه ، ولكن يصوم ما بين إحرامه بالحج إلى يوم عرفة .

16087 - وهو قول الشافعي .

16088 - وروي عن عائشة ، وابن عمر مثل ذلك .

16089 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة : إن من صام بعد إحرامه بالعمرة أجزاه .

16590 - وقال زفر : إذا بدأ بالحج فأحرم به وهو يريد أن يضيف إليه عمرة فصام قبل إحرامه للعمرة أجزاه .

16091 - وقال أبو يوسف : إن بدأ بإحرام العمرة فصام قبل إحرام الحج أجزاه ، وإن بدأ بإحرام الحج فصام قبل إحرام العمرة يجزيه .

16092 - وقال الحسن بن زياد : إن أحرم بالعمرة لم يجزه الصوم حتى يحرم [ ص: 225 ] بالحج .

16093 - وهو قول عمرو بن دينار .

16094 - وقال عطاء : لا يصوم حتى يقف بعرفة .

16095 - وأجمعوا على أن الصوم لا سبيل للمتمتع إليه إذا كان يجد الهدي فلا يصم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر ، ف :

16096 - قال مالك : يصومها في أيام التشريق ، فإن فاته ذلك صام عشرة أيام إذا رجع إلى بلاده وأجزاه . وإن وجد هديا بعد رجوعه وقبل صومه أهدى قبل أن يصوم .

16097 - وقال أبو حنيفة : إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج لم يجزه الصوم بعد وكان عليه هديان : هدي لمتعته أو قرانه ، وهدي لتحلله من غير هدي ولا صيام .

16098 - وقال سفيان الثوري : إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج ولا سبيل إلى الصيام بعد .

16099 - وقال الأوزاعي : لا يقضى يوم النحر حتى يهدي أو يصوم ، فإن لم يهد حتى رجع إلى بلاده فعليه هدي ويصوم عشرة أيام في بلده ، ويهدي إن وجد .

16100 - وعن الشافعي قولان : أحدهما قول مالك ، والآخر كقول أبي حنيفة .

16101 - واختلف قوله في صيام أيام منى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، فقال بالعراق : يصومها . كقول مالك . وقال في مصر : لا يصومها أحد لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامها .

16102 - واختلفوا فيه إذا كان غير واجد للهدي فصام ، ثم وجد الهدي قبل [ ص: 226 ] كمال صومه ، ف .

16103 - ذكر ابن وهب عن مالك ، قال : إذا دخل في الصوم فإن وجد هديا فأحب إلي أن يهدي ، فإن لم يفعل أجزاه الصيام .

16104 - وذكر ابن عبد الحكم وغيره عن مالك في هذا الباب أن المتظاهر والحالف إن دخل أحدهم في الصيام ، ثم وجد المتمتع الهدي أو وجد المتظاهر الرقبة ، والحالف ما يطعم أو يكسو أن كل واحد منهما بالخيار بعد دخوله في الصوم أنه إن شاء فادى في الصوم وإن شاء رجع إلى ما كان عليه .

16105 - وقال أبو حنيفة ، والثوري : لا يجزئ الصوم واحدا منهم إذا وجد قبل أن يتم صومه .

16156 - وهو قول عطاء ، وعثمان البتي ، والحسن بن صالح .

16107 - وقال الشافعي : يمضي في صومه وهو فرضه كما يمضي في الصلاة بالتيمم إذا طرأ عليه الماء وهو فيها .

16108 - وهو قول أبي ثور .

16109 - وقال أبو حنيفة : إذا أيسر المتمتع في يوم الثلاث من صومه يصل الصوم ، ووجب الهدي ، فإن صام ثلاثة أيام في الحج كاملة ثم أيسر كان له أن يصوم السبعة الأيام ولا يرجع إلى الهدي .

16110 - وقال إبراهيم النخعي : إذا وجد ما يذبح قبل أن يحل من حجه فليذبح . وإن كان قد صام لم يجد ما يذبح حتى يحل فقد أجزاه الصوم .

16111 - وقال عطاء : إن صام . ثم وجد ما يذبح ; فليذبح حل أو لم يحل ما كان في أيام التشريق .

[ ص: 227 ] 16112 - واختلفوا فيما على من فاته صوم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر ، ف :

16113 - ذكر ابن وهب عن مالك ، قال : من نسي صوم الثلاثة الأيام في الحج أو مرض فيها ، فإن كان بمكة فليصم الثلاثة الأيام فيها ، وليصم إذا رجع إلى أهله سبعة . وإن كان رجع إلى أهله فليهد إن قدر . فإن لم يقدر فليصم ثلاثة وسبعة بعدها .

16114 - وهو قول أبي ثور ، وتحصيل مذهبه أنه إذا قدم بلده ولم يصم ثم وجد الهدي لم يجزه الصوم ولا يصوم إلا إذا لم يجد هديا .

16115 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا انقضى يوم عرفة ، ولم يصم الثلاثة الأيام فعليه دم .

16116 - واتفق مالك وغيره ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري ، وأبو ثور على أن المتمتع يطوف لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، وعليه بعد ذلك طواف آخر لحجه ، وسعي آخر بين الصفا والمروة .

16117 - وروي عن عطاء ، وطاوس ، ومجاهد أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة .

16118 - واختلفوا في حكم المتمتع الذي يسوق الهدي . ف :

16119 - قال مالك : إن كان متمتعا حل إذا طاف وسعى ولا ينحر هديه إلا بمنى إلا أن يكون مفردا للعمرة ، فإن كان مفردا للعمرة نحره بمكة ، وإن كان قارنا نحره بمنى .

16120 - ذكره ابن وهب ، وغيره عن مالك .

16121 - وقال مالك : من أهدى هديا للعمرة وهو متمتع لم يجزه ذلك ، وعليه هدي آخر لمتعته ; ولأنه إنما يصير متمتعا إذا أنشأ الحج بعد أن حل من عمرته ، وحينئذ يجب عليه الهدي .

[ ص: 228 ] 16122 - وقال أبو حنيفة ، وأبو بكر ، ومحمد ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور : لا ينحر المتمتع هديا إلا يوم النحر .

16123 - وقال أحمد : إن قدم المتمتع قبل العشر طاف وسعى ونحر هديه ، وإن قدم في العشر لم ينحر إلا يوم النحر .

16124 - وقاله عطاء .

16125 - وقال الشافعي : يحل من عمرته إذا طاف وسعى ، ساق هديا أو لم يسق .

16126 - وقال أبو ثور : يحل ولكن لا ينحر هديه حتى يحرم بالحج وينحره يوم النحر .

16127 - وقول أحمد بن حنبل في مسائل المتمتع المذكورة كلها في هذا الباب كقول الشافعي سواء .

16128 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا لم يسق المتمتع هديا فإذا فرغ من عمرته كان حلالا ، ولا يزال كذلك حتى يحرم بالحج فيصير حراما ، ولو كان ساق الهدي لمتعته لم يحل من عمرته حتى يحل من حجه ; لأنه ساق الهدي معه .

16129 - وحجتهم في ذلك حديث ابن عمر أن حفصة قالت : " ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ . . . "

16130 - وقال مالك ، والشافعي : إذا ساق المتمتع الهدي لمتعته وطاف للعمرة وسعى حل إلى يوم التروية .

16131 - قال الشافعي : وما يكون متمتعا إذا استمتع بإحلاله إلا أن يحرم بالحج يوم التروية ، فأما من لم يحل من المعتمرفإنما هو قارن لا متمتع ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية