الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
778 739 - وفي الباب مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن عمر بن الخطاب قال : افصلوا بين حجكم وعمرتكم . فإن ذلك أتم لحج أحدكم . وأتم لعمرته . أن يعتمر في غير أشهر الحج .


16154 - قال أبو عمر : كان عمر ( رضي الله عنه ) يرى الإفراد ويميل إليه ويستحبه فلا يرى أن يقرن الحج مع العمرة ، وإن كان ذلك عنده جائز بدليل حديث الصبي بن معبد إذ قرن وسأله عن القران ، وذكر له إنكار سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان لتلبيته بالحج والعمرة معا ، فقال له : " هديت لسنة نبيك " فهذا بين له أن القران عنده سنة ، ولكنه استحب الإفراد ; لأنه إذا أفرد الحج ثم قصد البيت من قابل العمرة أو قبلها في عامه من بلده ، أو من مكة في غير أشهر الحج كان عمله وتعبه ونفقته أكثر ، ولهذا لم يكن يستحب العمرة في أشهر الحج ، ولا استحب التمتع بالعمرة إلى الحج ، كل ذلك حرص منه على زيارة البيت وعلى كثرة العمل ; لأن من [ ص: 238 ] أفرد عمرته من حجه كان أكثر عملا من القارن ، ومن كان أكثر عملا كان أكثر أجرا إن شاء الله أو لما أعلم الله - عز وجل - من استحبابه الإفراد ، ولعله كان يعتقد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مفردا في حجته ، فمال إلى ذلك واستحبه ولقد روي عنه أنه قال في قول الله - عز وجل - : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] قال : إتمامها أن تفردها وتفرد الحج .

16155 - ولا أعلم أحدا من السلف روي ذلك عنه غيره إلا طاوسا .

16156 - ومن هذا المعنى حديثه هذا " افصلوا بين حجكم وعمرتكم ، فإن ذلك أتم لحج أحدكم وعمرته " .

16157 - وللعلماء في قول الله - عز وجل - : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أقوال ، منها :

16158 - قول عمر هذا .

16159 - ومنها قول علي ، وطائفة ، قالوا : إتمامها أن تحرم بهما من منزلك ، أو مسكنك .

[ ص: 239 ] 16160 - ومنها قول من قال : ( وأتموا الحج والعمرة ) أي أقيموا الحج والعمرة .

16161 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرني الثوري ، عن ثور بن يزيد ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس في قوله - تعالى - : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، قال : إتمامهما أن تفردهما ، وتحرم من دويرة أهلك .

16162 - وقالت طائفة من أهل العلم : إنما خوطب بهذه الآية من دخل في الحج أو العمرة .

16163 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : سئل ابن عمر عن متعة الحج ، فأمر بها ; فقيل له : إنك تخالف أباك . فقال : إن عمر لم يقل الذي تقولون ، إنما قال عمر : أفردوا الحج من العمرة ، فإنه أتم للحج ، وأتم للعمرة . أي : أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله تعالى . وعمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أكثروا عليه ، قال : كتاب الله أحق أن يتبع ، أو عمر ؟ .

16164 - قال : وأخبرنا معمر ، عن صدقة بن يسار ، قال : سمعت ابن عمر يقول : لو أن بين الحج والعمرة أحب إلي من المتعة .

[ ص: 240 ] 16165 - قال : وأخبرني ابن التيمي ، عن القاسم بن الفضل . قال : سمعت رجلا قال : أنهى عمر عن متعة الحج ؟ قال : لا ، أبعد كتاب الله ؟ !

التالي السابق


الخدمات العلمية