الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
16221 - وأما قول مالك في هذا الباب : لا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مرارا فقد قاله غيره .


16222 - وإن كان جمهور العلماء على إباحة العمرة في كل السنة ; لأنها ليس لها عند الجميع وقت معلوم ولا وقت ممنوع لأن تقام فيه إلا من بعد طواف الحج بالبيت أو آخره في الطواف ، أو عند طواف القدوم ، إلى أن يتم حجه . وما عدا هذا الوقت فجائز عمل العمرة فيه العام كله .

[ ص: 250 ] 16223 - إلا أن من أهل العلم من استحب ألا يزيد في الشهر على عمرة ، ومنهم من استحب أن لا يعتمر المعتمر في السنة إلا مرة واحدة كما قال مالك ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع عمرتين في عام .

[ ص: 251 ] 16224 - والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة ، لأنه عمل بر وخير فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل ولا دليل أمنع منه ، بل الدليل يدل عليه بقول الله - عز وجل - ( وافعلوا الخير ) [ الحج : 77 ] .

16225 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " .

16226 - وأما الاستحباب بغير لازم ، ولا يضيق لصاحبه .

16227 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرني الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كانوا لا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة .

16228 - قال : وأخبرنا جعفر ، عن هشام ، عن الحسن : أنه كان يكره عمرتين في سنة .

16229 - وقال ابن سيرين : تكره العمرة في السنة مرتين .

162230 - وأما الذين أجازوا العمرة في السنة مرارا فمنهم علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة ، وأنس والقاسم بن محمد ، وطاوس ، وسعيد بن المسيب .

16231 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : اعتمرت عائشة في سنة ثلاث مرات : مرة من الجحفة ، ومرة من [ ص: 252 ] التنعيم ومرة من ذي الحليفة .

16232 - قال : وأخبرنا عبيد الله ، وعبد الله ابنا عمر ، عن نافع : أن ابن عمر اعتمر في عام القتال عمرتين .

16233 - قال : وأخبرنا معمر عن الثوري ، عن صدقة ، عن القاسم ، قال : فرطت عائشة في الحج ; فاعتمرت تلك السنة مرارا ثلاثا .

16234 - قال صدقة : قلت للقاسم : أنكر عليها أحد ؟ قال : سبحان الله ! على أم المؤمنين ؟ .

16235 - وذكر الطبري ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن معاذة ، عن عائشة ، قالت : العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام ، هي : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .

16236 - قال أبو عمر : هذا قول أبي حنيفة وأصحابه ، قالوا : العمرة جائزة في السنة كلها إلا يوم عرفة ويوم النحر فإنها مكروهة فيها .

16237 - وكان القاسم يكره عمرتين فيها ، ويقول : في كل شهر عمرة .

16238 - وكذلك قال طاوس : في كل شهر عمرة .

16239 - وعن علي ( رضي الله عنه ) : في كل شهر عمرة .

16240 - وقال عكرمة : يعتمر متى شاء .

[ ص: 253 ] 16241 - وقال عطاء : إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين .

16242 - وعن طاوس : إذا ذهبت أيام التشريق فاعتمر ما شئت .

16243 - وقال الثوري : السنة كلها وقت العمرة يعتمر فيها من شاء متى شاء .

16244 - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وسائر الفقهاء إلا ما ذكرنا من تخصيص أيام التشريق .

16245 - وقد يحتمل قول الثوري أن يجوز العمرة لكل من طاف طواف الإفاضة ; لأنه قد دخل الحل كله ، وليست العمرة بواجبة من أيام التشريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية