الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
780 [ ص: 257 ] ( 22 ) باب نكاح المحرم

741 - مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع - مولاه - ورجلا من الأنصار ، فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قبل أن يخرج .

742 - مالك عن نافع ، عن نبيه بن وهب : أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان - وأبان يومئذ أمير الحاج ، وهما محرمان - : إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير ، وأردت أن تحضر ؟ فأنكر ذلك عليه أبان ، وقال : سمعت عثمان يقوله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينكح المحرم ولا يخطب " .

743 - مالك ، عن داود بن الحصين : أن أبا غطفان بن طريف المري [ ص: 258 ] أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم ; فرد عمر بن الخطاب نكاحه .

744 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .

745 - مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وسليمان بن يسار ، سئلوا عن نكاح المحرم ، فقالوا : لا ينكح المحرم ولا ينكح .

16267 - قال مالك في الرجل المحرم : إنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه .


16268 - قال أبو عمر : حديث مالك عن ربيعة في هذا الباب غير متصل ، وقد رواه مطر الوراق فوصله .

16269 - رواه حماد بن زيد ، عن مطر الوراق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة [ ص: 259 ] وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال . وكنت الرسول بينهما .

16270 - فأما تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة ، فقد اختلفت فيه الآثار المسندة ، واختلف في ذلك أهل السير والعلم في الأخبار : أن الآثار بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا أتت متواترة من طرق شتى عن أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن سليمان بن يسار ، وهو مولاها وعن يزيد بن الأصم ، وهو ابن أختها ، وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وابن شهاب ، وجمهور علماء المدينة يقولون : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال .

16271 - وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه ( عليه السلام ) نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس ، وحديثه بذلك صحيح ثابت من نكاح ميمونة ، إلا أن يكون متعارضا مع رواية غيره فيسقط الاحتجاج بكلام الطائفتين ، وتطلب الحجة [ ص: 260 ] من غير قصة ميمونة .

16272 - وإذا كان ذلك كذلك ، فإن عثمان بن عفان قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نكاح المحرم ، وقال : " لا ينكح المحرم ولا ينكح " . ولا معارض له ; لأن حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره .

16273 - أخبرنا سعيد وعبد الوارث ، قالا : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني يحيى بن آدم ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : حدثنا أبو فزارة ، عن يزيد بن الأصم ، قال : حدثتني ميمونة ابنة الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال .

[ ص: 261 ] 16274 - قال يزيد : كانت خالتي وخالة ابن عباس .

16275 - وروى حماد بن سلمة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن ميمون بن مهران ، عن يزيد بن الأصم ، عن ميمونة ، قالت : تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسرف ، وهما حلالان بعدما رجعا من مكة .

16276 - وذكر عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني [ ص: 262 ] يزيد بن الأصم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة حلالا .

16277 - قال أبو عمر : قد نقل قوم حديث يزيد بن الأصم مرسلا ، لظاهر رواية الزهري ، وليس كما ظهر إلا رواية الزهري فحملت للتأويل .

16278 - وجاز لمن أخبرته ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا أن يخبر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة حلالا يحدث به هكذا وحده ، يقول : حدثتني ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها حلالا .

16279 - على أنهم يلزمهم مثله في حديث ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم " ، لأنه ليس فيه أن ميمونة أخبرته ، وموضع ابن عباس من ميمونة بموضع يزيد بن الأصم سواء .

16280 - واختلف الفقهاء في نكاح المحرم .

16281 - فقال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، والليث ، والأوزاعي : لا ينكح المحرم ولا ينكح ، فإن فعل فالنكاح باطل .

[ ص: 263 ] 16282 - وهو قول عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وسليمان بن يسار .

16283 - وبه قال أحمد بن حنبل .

16284 - قال أحمد : ذهب فيه إلى حديث عثمان ، وقال : روي عن عمر ، وعلي ، وزيد بن ثابت أنهم فرقوا بينهما .

16285 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، وسفيان الثوري : لا بأس أن ينكح المحرم وأن ينكح .

16286 - وهو قول القاسم بن محمد ، وإبراهيم النخعي .

16287 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه أنه لم ير بنكاح المحرم بأسا .

16288 - قال : وأخبرني الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يتزوج المحرم إن شاء ، لا بأس به .

16289 - قال عبد الرزاق : وقال الثوري : لا يلتفت إلى أهل المدينة ، حجة الكوفيين في جواز نكاح المحرم حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو محرم .

16290 - رواه عن ابن عباس جماعة من أصحابه ، منهم : عطاء بن أبي رباح ، ومجاهد بن جبر ، وجابر بن زيد أبو الشعثاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير .

16291 - وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : حديث ابن شهاب ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو محرم .

[ ص: 264 ] فقال ابن شهاب : حدثني يزيد بن الأصم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة . . ، قال عمرو : فقلت لابن شهاب : أتجعل حفظ ابن عباس كحفظ أعرابي يبول على فخذيه ! ! .

16292 - قال أبو عمر : قد ذكرنا حجة الحجازيين القائلين بأن نكاح المحرم لا يجوز لحديث عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نكاح المحرم ، وأن عمر بن الخطاب فرق بين من نكح وبين امرأته ، والفرقة لا تكون في هذا إلا عن بصيرة مستحكمة وذكرنا جماعة الأئمة القائلين من أهل المدينة وليس مع العراقيين في هذا حجة إلا حديث ابن عباس في قصة قد خالفه فيها غيره بما قد تقدم ذكره .

16293 - وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن ميمون بن مهران ، قال : أتيت صفية ابنة شيبة امرأة كبيرة ، فقلت لها : أتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو محرم ؟ قالت : لا والله ; لقد تزوجها وهما حلالان .

16294 - وأخبرنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خلف بن سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 265 ] أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا ابن سنجر ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال حدثنا عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم .

16295 - قال سعيد بن المسيب : وهم ابن عباس ، وإن كانت خالته : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعد ما حل .

16296 - قال أبو عمر : أظن القائل " قال سعيد " : عطاء ، أو الأوزاعي .

16297 - واختلف أهل السير في تزويج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنه تزوجها حلالا ، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : تزوجها وهو محرم ، والأول أصح إن شاء الله ، والحجة في ذلك حديث عثمان ، والحمد لله .

16298 - وأما قول مالك في الرجل المحرم : أنه يراجع زوجته إن شاء إذا كانت في عدة منه ، فلا خلاف في ذلك بين أئمة الفقهاء بالأمصار ، وليست المراجعة كالنكاح ، لأنها زوجه لا يحل في رجعتها الصداق ولا الولي ، وتلزمه نفقتها ، ويلحقها طلاقه لو طلقها ، وكذلك أبناؤه وظهاره منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية