الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
74 64 - مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ؛ أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص ، وهو أميرها ، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين . فأنكر ذلك عليه . فقال له سعد : سل أباك إذا قدمت عليه . فقدم عبد الله فنسي أن يسأل عمر عن ذلك ، حتى قدم سعد . فقال : أسألت أباك ؟ فقال : لا . فسأله عبد الله فقال عمر : إذا أدخلت رجليك في الخفين ، وهما طاهرتان ، فامسح عليهما . قال عبد الله : وإن جاء أحدنا من الغائط ؟ فقال عمر : نعم . وإن جاء أحدكم من الغائط .


2277 - وذكرنا هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن دينار وأبي الزبير وأبي سلمة عن عبد الرحمن كلهم عن ابن عمر بهذا المعنى .

[ ص: 256 ] 2278 - وإنكار ابن عمر على سعد إنما كان المسح في الحضر ؛ لأنه جهل مسح الخفين في الحضر . وهو بين في حديث مالك .

2279 - وفي رواية ابن جريج عن نافع في هذا الخبر : " وهو مقيم بالكوفة " وهو ظاهر حديث مالك ، وهذا يقتضي المسح للمقيم . فمن أراد رواية هذا الخبر باختلاف ألفاظه واتفاق معانيه نظره في التمهيد .

2280 - وأما قول عمر وشرطه فيه : " إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان " فقد ثبت ذلك عن النبي - عليه السلام - من حديث الشعبي ، عن عروة بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه ، عن النبي - عليه السلام - رواه عن الشعبي يونس بن أبي إسحاق وذكره ابن أبي زائدة ومجالد بن سعيد وغيرهم .

2281 - قال الشعبي : شهد لي عروة على أبيه ، كذلك وشهد أبوه عن النبي - عليه السلام - .

2282 - وقد ذكرت ذلك كله في " التمهيد " بالطرق والأسانيد .

2283 - وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يمسح على الخفين إلا من لبسهما على طهارة ، إلا أنهم اختلفوا في هذا المعنى فيمن قدم في وضوئه غسل رجليه ولبس خفيه ، ثم أتم وضوءه : هل يمسح عليهما أم لا ؟ .

2283 - وهذا إنما يصح على قول من أجاز تقديم أعضاء الوضوء بعضها على بعض ولم يوجب النسق ولا الترتيب فيها .

2284 - وهي مسألة قد ذكرناها فيما تقدم من كتابنا هذا .

2285 - وأما هذه المسألة فقال أبو حنيفة وأصحابه : من غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل وضوءه أجزأه أن يمسح عليهما .

[ ص: 257 ] 2285 - وقال مالك والشافعي : لا يجزئه إلا أن يكون لبس خفيه بعد أن أكمل الوضوء .

2286 - وقال الطحاوي محتجا للكوفيين : يجوز أن يقال : إن رجليه طاهرتان إذا غسلهما ولم يكمل الطهارة قبل ذلك ، كما يقال : صلى ركعتين وإن لم يتم صلاته .

2287 - وقال غيره منهم : إنما يراعى الحدث ، والحدث لا يرد إلا على طهارة كاملة ، فهو كمن يقدم رجليه .

2288 - وحجة أصحابنا أن من لبس خفيه قبل كمال طهارته فكأنه مسحهما قبل غسل رجليه ؛ لأن في حديث المغيرة : إذا أدخلت رجليك في الخفين وأنت طاهر فامسح عليهما ، ولا يكون طاهرا إلا بكمال الطهارة .

2289 - وكذلك في حديث أبي بكرة : إذا تطهر فلبس خفيه مسح عليهما .

2290 - وهذا يقتضي أن يكون لبسه خفيه بعد تقدم طهارته على الكمال .

2291 - وأما أصحاب الشافعي فيبطلون الطهارة على غير الترتيب ، وليس عندهم على طهارة من فعل ذلك ، فكيف يمسح ؟ .

2292 - وقد تقدم القول في ذلك لهم وعليهم .

2293 - ومن هذه المسألة تفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الأخرى .

[ ص: 258 ] 2294 - فقال مالك : لا يمسح على خفيه من فعل ذلك ؛ لأنه قد لبس الخف الآخر قبل تمام طهارته ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .

2295 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والمزني ، والطبري ، وداود : يجوز له أن يمسح ، وهو قول طائفة من أصحابنا منهم مطرف .

2296 - وقد أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد لبسه جاز له المسح .

2297 - وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه وسها عن المسح عليهما حتى جف وضوءه وصلى .

2298 - قال : ليمسح على خفيه وليعد الصلاة ، ولا يعد الوضوء .

2299 - هذا لأن تبعيض الوضوء عنده سهوا لا يضره ، ولو تعمد ذلك ابتدأ الوضوء .

2300 - وهذا أصل ، قد تكرر القول فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية