الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
789 753 - مالك ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ; أنه قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله ، عن عمير بن سلمة الضمري ، عن البهزي ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة ، وهو محرم . حتى إذا كان بالروحاء ، إذا حمار وحشي عقير . فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : " دعوه . فإنه يوشك أن يأتي صاحبه " فجاء البهزي ، وهو صاحبه . إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال : يا رسول الله . شأنكم بهذا الحمار . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر . فقسمه بين الرفاق . ثم مضى ، حتى إذا كان بالأثابة ، بين الرويثة [ ص: 283 ] والعرج ، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم . فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا أن يقف عنده . لا يريبه ، أحد من الناس ، حتى يجاوزه .


16378 - قال أبو عمر : لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث واختلف أصحاب يحيى بن سعيد فيه على يحيى بن سعيد .

16379 - فرواه جماعة كما رواه مالك .

16380 - ورواه حماد بن يزيد ، وهشيم ، ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر ، عن يحيى ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عيسى بن طلحة ، عن عمير بن سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

16381 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم لذلك في " التمهيد " .

16382 - والقول عندي قول من جعل الحديث لعمير بن سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال حماد بن زيد ومن تابعه .

16383 - ومما يدل على صحة ذلك أن يزيد بن الهاد ، وعبد ربه بن سعيد رويا هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم ، عن عيسى بن طلحة ، عن عمير بن سلمة الضمري ، قال : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . " .

[ ص: 284 ] 16384 - وفي حديث ابن الهاد : " بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . " رواه الليث بن سعد هكذا عن يزيد بن الهاد .

16385 - وقال موسى بن هارون : إنما جاء ذلك من يحيى بن سعيد ، كان يرويه أحيانا فيقول فيه : عن البهزي ، وأحيانا لا يقول فيه : عن البهزي ولعل المشيخة الأولى كان ذلك جائزا عندهم في كلامهم أن يقولوا " بمعنى عن فلان بمعنى قصة فلان " ، لقول من قال عن البهزي يريد عن قصة البهزي .

16386 - قال أبو عمر : عمير بن سلمة هذا الصاحب الذي روى قصة حمار البهزي عن النبي - عليه السلام - ، والبهزي هو الصائد للحمار ، وهو صاحبه الذي في الحديث من قول النبي ( عليه الصلاة والسلام ) : " دعوه " يعني الحمار " فإنه يوشك أن يجيء صاحبه " .

16387 - واسمه زيد بن كعب . [ ص: 285 ] للمحرم ، وقد مضى القول في هذا المعنى ، وما للعلماء في ذلك .

16389 - وفي ذلك أيضا دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفر الصيد ولا يعين عليه . ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يجاوزه الناس لا يريبه أحد ; يعني لا يمسه ولا يهيجه .

16390 - قال أبو عمر : الحاقف : الواقف المنثني والمنحني ، وكل منحن فهو محقوقف .

16391 - هذا قول الأخفش .

16392 - وقال غيره من أهل اللغة : الحاقف الذي يلجأ إلى حقف ، وهو ما انعطف من الرمل .

16393 - وقال العجاج : سماوة الهلال حتى احقوقف ; يعني : انعطف ، وسماوته : شخصه .

16394 - والروحاء ، والأثابة ، والعرج ، والرويثة مواضع ومناهل بين مكة والمدينة .

16395 - وفيه من الفقه : جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه أو مات عنه ، وذلك محمول على أنه قد بلغت رميته الرامي منه موضع الذكاة ، ولذلك - والله أعلم - أمر - صلى الله عليه - وسلم بقسمته بينهم .

16396 - وليس في حديث مالك ما يدل على أن ذلك الظبي كان قد غاب عنه صاحبه ليلة ، وذلك في حديث حماد بن زيد ، لأنه قال فيه بالإسناد المذكور عن عمير بن سلمة " أن رسول [ ص: 286 ] الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل مع صحبه وهم محرمون ، حتى إذا كانوا بالروحاء وإذا في بعض أفيائها حمار وحش عقير ، فقيل : يا رسول الله هذا حمار عقير ، قال : دعوه حتى يأتي طالبه قال : قال : فجاء رجل من بهز ، قال : يا رسول الله : أصبت هذا بالأمس فشأنكم به . . ، وذكر تمام الحديث " .

16397 - وفيه أيضا من الفقه : أن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو سهمه وأصاب مقاتله فقد ملكه بذلك إذا كان الصيد لا يمتنع من أجل فعله به عن أحد ألا ترى قوله - عليه السلام - : " يوشك صاحبه أن يأتي " فجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبه يصحب ملكه له .

16398 - وقد استدل قوم بهذا الحديث أيضا على جواز هبة المشاع لقول البهزي للجماعة " شأنكم به " ثم قسمه أبو بكر بينهم بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

16399 - وسنذكر ما للفقهاء في هبة المشاع من التنازع في موضعه إن شاء الله .

16400 - وأما مسألة الصيد يغيب عن صاحبه فيجده ميتا بعد ليلة أو قبل ذلك ، فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك ، فقال مالك : إذا أدركه الصائد من يومه أكله في الكلب والسهم جميعا ، وإن كان ميتا إذا كان فيه أثر جرحه أثرا بلغ القتل وإن كان قد بات عنه لم يأكله .

16401 - وقال الثوري : إذا غاب عنه يوما وليلة كرهت أكله .

16402 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا توارى عنه الصيد وهو في طلبه فوجده وهو قد قتله كلبه أو سهمه جاز أكله ، وإن ترك الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله .

16403 - وقال الأوزاعي : إذا وجده من الغد ميتا فوجد فيه سهمه وأثره فليأكله .

16404 - وقال الشافعي : القياس لا يأكله إذا غاب عنه - يعني - لأنه لا يدري أمات من رميته [ ص: 287 ] أو من غيرها .

16405 - وروي عن ابن عباس ، كل ما أصبت ودع ما أنميت .

16406 - يقول : كل ما عاينت صيده وموته من سلاحك أو كلابك ، ودع ما غاب عنك .

16407 - وفي حديث أبي رزين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كره أكل ما غاب عنه مصرعه من الصيد .

16408 - وهو حديث مرسل ; لأنه ليس بأبي رزين العقيلي ، وإنما هو أبو رزين مولى أبي وائل ، رواه موسى بن أبي عائشة عنه ، من حديث الثوري وغيره .

16409 - وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يدرك صيده بعد ثلاث : يأكله ما لم ينتن .

16410 - وهو حديث صحيح قد ذكرناه في موضعه من هذا الكتاب .

16411 - وفي حديث عدي بن حاتم ، أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصيد يغيب عن صاحبه الليلة والليلتان ؟ فقال : " إذا وجدت فيه سهمك ولم تجد أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكله . . . " .

[ ص: 288 ] 16412 - وتأتي هذه المسألة بأكثر من هذا في كتاب الصيد إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية