الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
793 [ ص: 296 ] ( 25 ) باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد

755 - مالك . عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، عن الصعب بن جثامة الليثي ، أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء ، أو بودان . فرده عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في وجهي قال : " إنا لم نرده عليك ، إلا أنا حرم " .


[ ص: 297 ] 16465 - قال أبو عمر : قد روي عن ابن عباس من حديث سعيد بن جبير ، ومقسم ، وطاوس : أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا وحشيا .

16466 - قال سعيد بن جبير : " عجز حمار ، فرده يقطر دما " . رواه شعبة عن الحكم بن عتيبة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

16467 - وقال مقسم في حديثه : " رجل حمار وحش " .

16468 - وقال عطاء في حديثه : " أهدي له عضد صيد فلم يقبله " .

16469 - وقال طاوس في حديثه : " عضو من لحم صيد " .

16470 - إلا أن منهم من يجعله عن ابن عباس ، عن زيد بن أرقم .

16471 - رواه ابن جريج ، قال : أخبرني حسن بن مسلم بن نياق ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قدم زيد بن أرقم ، فقال له ابن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم أهدي للنبي ( عليه السلام ) حراما ؟ قلت : نعم . أهدى له رجل عضوا من لحم ، فرده عليه ، وقال : " لا نأكله إنا حرم " .

[ ص: 298 ] 16472 - قال إسماعيل بن إسحاق : سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجل النبي ( عليه السلام ) ولولا ذاك كان أكله جائزا .

16473 - قال سليمان : ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث " فرده يقطر دما " كأنه صيد في ذلك الوقت " .

16474 - قال إسماعيل : وإنما تأول إسماعيل الحديث الذي فيه أنه أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حمار ، وهو موضع يحتمل التأويل .

16475 - وأما رواية مالك أن الذي أهدي إليه حمار وحشي فلا يحتاج إلى تأويل ، لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيدا حيا ، ولا يجوز له أن يذكيه إنما يحتاج إلى التأويل قول من قال : إن الذي أهدي له هو بعض الحمار .

16476 - قال إسماعيل : وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الأحاديث كلها المرفوعة غير مختلفة .

16477 - قال أبو عمر : الأحاديث المرفوعة في هذا الباب منها حديث عمير بن سلمة في قصة البهزي وحماره العقير ، ومنها حديث أبي قتادة رواه مالك عن أبي النضر ، ومنها حديث الصعب بن جثامة هذا ، وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى له رجل حمار وحش فأبى أن يأكله . وحديث المطلب ، عن جابر يفسرها كلها ، وهو قوله ( عليه السلام ) : ( صيد البر لكم حلال وأنتم حرم [ ص: 299 ] ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) .

16478 - وأجمع العلماء أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد إذا وهب له بعد إحرامه ، ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه وهو محرم .

16479 - ولا خلاف بين العلماء في ذلك ; لعموم قوله - تعالى - : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما . . ) [ المائدة : 68 ] ولحديث الصعب بن جثامة في قصة الحمار .

16480 - ولأهل العلم في المحرم يشتري الصيد قولان : أحدهما أن الشراء فاسد ، والثاني أنه صحيح . وعليه أن يرسله .

16481 - وقد تقدم في الباب قبل هذا ما للعلماء فيمن أحرم وفي يده ، أو معه ، أو في بيته : شيء من الصيد .

16482 - وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه حج في عام حج فيه عثمان ; فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال ، قال : فأكل منه وهو محرم . ولم يأكل منه علي . فقال عثمان : إنما صيد قبل أن يحرم . فقال علي : ونحن قد بدا لنا وأهالينا لنا حلال أفيحللن لنا اليوم ؟ .

16483 - رواه هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، قال : حج عثمان معه علي فذكره في هذه الرواية عن علي أنه لم ير للمحرم أكل ما صاده [ ص: 300 ] الحلال وإن كان صيد له قبل أن يحرم المحرم ، وأن عثمان كان يخالطه في الغضب . ويحاسبه وكان يخالفه ; لأنه لا يرى بأسا بما صاده الحلال قبل إحرام المحرم وأن يأكله المحرم في إحرامه .

16484 - وقد روي عن علي ( رضي الله عنه ) خلاف هذه الرواية عنه ، وموافقته لرأي عثمان .

16485 - ذكره إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب عن صبيح بن عبد الله العبسي ، قال : استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض ، فمر به رجل من أهل الشام ومعه باز وصقر ، فاستعاره منه ، وصاد به من اليعاقيب ، فلما سمع بعثمان قد مر حاجا أمر بهن ; فذبحن ، فطبخن ، ثم جعلن في جفنة ، فجاء بهن آل عثمان فقال عثمان : كفوا ، فقال بعض القوم : انظروا عليا يأتيكم الآن . فلما جاء علي ورآها بين أيديهم أبى أن يأكل ; فقال له عثمان : ما شأنك ؟ فقال : لم أكن لآكل من هذا . قال عثمان : لم ؟ قال : هو صيد لا يحل لمن أكله ، وأنا محرم ، قال عثمان : فبين لنا . فقال : قال الله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . ) [ المائدة : 95 ] . قال عثمان : فنحن قتلناه ! إنا لم نقتله . قال : فقرأ عليهم علي : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) [ المائدة 96 ] فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ، ثم أتى وهو بمكة فقيل له : هل لك في ابن أبي طالب أهدي إليه صفيف حمار فهو يأكل منه ; فأرسل إليه عثمان فسأله عن أكله الصفيف ، وقال له : أما أنت فتأكل وأما نحن فتنهانا ؟ فقال له : إنه صيد عام أول ; وأنا حلال ; فليس علي في أكله بأس ، وصيد ذلك - يعني [ ص: 301 ] اليعاقيب - وأنا حرام ، وذبحن وأنا حرام .

16486 - وبهذا كان يفتي ابن عباس ويذهب إليه .

16487 - ذكر إسحاق عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وبلال ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال . وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام .

16488 - وهو قول عطاء .

16489 - وذكر عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما صيد وأنت حلال فكله ، وما صيد وأنت حرام فلا تأكله .

16490 - قال أبو عمر : وما كان مثلها عن علي يعضد ما روي عنه في الصيد للمحرم أنه لا يأكله على عموم قوله - تعالى - ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) [ المائدة : 96 ] ولم يفسر ما صيد قبل إحرامه أو بعد إحرامه .

16491 - وهذه الرواية مفسرة كما ترى .

16492 - وقد روي عن ابن عباس أنه لا يجوز للمحرم أكل لحم صيد على حال صيد من أجله . أو من لم يصد لعموم قول الله - عز وجل - : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) . [ ص: 302 ] وقال ابن عباس : هي مبهمة .

16493 - وبه قال طاوس ، وجابر بن زيد .

16494 - وإليه ذهب الثوري ، وإسحاق في رواية .

16495 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يزيد بن أبي يزيد ، قال : سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يحدث أن عليا كره أكل لحم الصيد وهو محرم .

16496 - قال : وأخبرني معمر عن الزهري عن سالم ، عن ابن عمر ، أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال .

16497 - قال معمر : وأخبرني أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله .

16498 - قال : وأخبرنا معمر ، عن طاوس وعبد الكريم بن أمية عن طاوس ، عن ابن عباس : أنه كره لحم الصيد للمحرم ، وقال : هي مبهمة ; يعني قوله [ ص: 303 ] ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) [ المائدة : 96 ] .

16499 - وكان عمر بن الخطاب ، وأبو هريرة ، والزبير بن العوام ، وكعب ، ومجاهد ، وعطاء في رواية ، وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال صيد من أجله أو لم يصد .

16500 - وبه قال الكوفيون .

[ ص: 304 ] 16501 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طلق بن حبيب ، عن قزعة ، قال : كان ابن عمر لا يأكل لحم الصيد وهو محرم ، فقيل له : إن عمر ، وأبا هريرة كانا يأكلانه ، فقال : عمر خير وأبو هريرة خير مني .

16502 - قال عمرو بن دينار : وكان ابن عباس لا يأكله .

16503 - وذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور إلى أن ما صيد من أجل المحرم لم يجز له أكله ، وما لم يصد من أجله جاز له أكله .

16504 - وهو قول عثمان .

16505 - وروي ذلك أيضا عن عطاء ، وبه قال إسحاق .

16506 - وهذا أعدل المذاهب وأعلاها ، وعليه يصح استعمال الأحاديث المرفوعة وتوجيهها .

16507 - وفيه مع ذلك نص حسن رواه ابن وهب ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن سالم ، ويعقوب بن عبد الرحمن المخزومي ، عن عمرو مولى المطلب بن عبد الله أنه أخبرهما عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم " .

16508 - رواه عن عمر بن أبي عمرو مولى المطلب كما رواه يحيى بن عبد الله بن سالم ، ويعقوب بن عبد الرحمن ، وسليمان بن بلال ، وإبراهيم بن أبي يحيى جعلوه كلهم عن عمرو مولى المطلب ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه أخبره [ ص: 305 ] عن جابر .

16509 - ورواه الدراوردي عن عمرو ، عن رجل من بني سلمة ، عن جابر فأخطأ فيه ، وصوابه ما رواه يعقوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية