الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 13 ] ( 27 ) باب الحكم في الصيد

759 - قال مالك : قال الله تبارك وتعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره [ المائدة 95 ] .

قال مالك : فالذي يصيد الصيد وهو حلال . ثم يقتله وهو محرم . بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ، ثم يقتله . وقد نهى الله عن قتله فعليه جزاؤه .

والأمر عندنا أن من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه .

[ ص: 14 ] [ ص: 15 ] 16578 - قال مالك : أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه ، أن يقوم الصيد الذي أصاب ، فينظر كم ثمنه من الطعام ، فيطعم كل مسكين مدا . أو يصوم مكان كل مد يوما . وينظر كم عدة المساكين . فإن كانوا عشرة ، صام عشرة أيام . وإن كانوا عشرين مسكينا ، صام عشرين يوما . عددهم ما كانوا ، وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا .

16579 - قال مالك : سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو [ ص: 16 ] حلال ، بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم ، وهو محرم .


16580 - قال أبو عمر : هذا الذي ذكره مالك عليه جماعة العلماء في أن الحرمتين إذا اجتمعتا ( حرمة الحرم ، وحرمة الإحرام ) فليس فيهما إلا حدا واحدا على قاتل الصيد محرما في الحرم ، لقول الله ، عز وجل : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم [ 11 المائدة : 95 ] ، ولم يخص موضعا من موضع ، ولا استثنى حلا من حرم . ومعلوم أن الإحرام إنما يقصد به إلى الحرم وهناك عظم عمل المحرم .

16581 - واختلف الفقهاء في استئناف الحكم على قاتل الصيد فيما مضى فيه من السلف حكم : 16582 - فقال فيه مالك : يستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض .

16583 - وهو قول أبي حنيفة .

16584 - وقال الشافعي : إن اختار بحكومة الضحايات من غير أن يحكم عليه جاز ، فإذا قتل نعامة أهدى بدنة ، وإذا قتل غرابا أهدى شاة .

16585 - واختلفوا في قول الله ، عز وجل : فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] والنعم : الإبل ، والبقر ، والغنم .

[ ص: 17 ] 16586 - فإذا قتل المحرم صيدا له مثل من النعم في المنظر والبدن يكون أقرب شبها به من غيره ; فعليه مثله ، في الظبي شاة ، وفي النعامة بدنة ، وفي البقرة الوحش بقرة .

16587 - هذا قول مالك ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن .

16588 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : الواجب في قتل الصيد قيمته كان له مثل من النعم أو لم تكن ، وهو بالخيار بين أن يتصدق بقيمته وبين أن يصرف القيمة في مثله من النعم فيشتريه ويهديه ، فإن اشترى بالقيمة هديا أهداه ، وإن اشترى به طعاما أطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، أو صام مكان كل صاع يومين .

16589 - وقال محمد بن الحسن : المثل النظير من النعم كقول مالك والشافعي .

16590 - وقال في الطعام والصيام بقول أبي حنيفة .

16591 - ولم يختلف قول مالك فيمن استهدى لغيره شيئا من العروض أن القيمة فيه هي المثل .

16592 - قال : والقيمة أعدل في ذلك .

16593 - ولكن السلف - رضي الله عنهم - حكم جمهورهم في النعامة ببدنة ، وفي الغزال بشاة ، وفى البقرة الوحش ببقرة ، واعتبروا المثل فيما وصفنا لا القيمة ، فلا ينبغي خلافهم لأن الرشد في اتباعهم .

16594 - واختلفوا في قاتل الصيد ، هل يكون أحد الحكمين أم لا ؟ .

16595 - فعند أصحاب مالك : لا يجوز أن يكون القاتل أحدهما .

16596 - وقال الشافعي : يجوز ذلك .

[ ص: 18 ] 16597 - واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين ، فقال بعضهم : يجوز . وقال بعضهم لا يجوز .

16598 - واختلفوا في التخيير والترتيب في كفارة جزاء الصيد .

[ ص: 19 ] 16599 - قال مالك : يخير الحكمان المحكوم عليه فإن اختار الهدي حكم به عليه . وإن اختار الإطعام والصيام حكما عليه بما يختار من ذلك ، موسرا كان أو معسرا .

16600 - وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد .

16601 - وقال زفر : الكفارة مرتبة يقوم المقتول دراهم يشتري بها هديا ، فإن لم يبلغ اشترى به طعام فإن لم يجد ما يشتري به هديا ولا طعاما صام بقيمتها ينظر كم تكون تلك الدراهم طعاما فيصوم عن كل صاع من بر يومين .

16602 - واختلف فيها قول الشافعي ، فقال مرة بالترتيب : هدي ، فإن لم يجد فطعام ، فإن لم يجد فصيام . ومرة بالتخيير كما قال مالك .

16603 - وهو الصواب عندي لأن الله - عز وجل - يقول : يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما [ المائدة : 95 ] ، وحقيقة ( أو ) التخيير لا الترتيب ، والله أعلم .

16604 - واختلفوا : هل يقدم الصيد أو المثل ؟ فقال مالك : إذا اختار قاتل الصيد أن يحكم عليه بالإطعام قوم الصيد على أنه حي كم يساوي من الطعام .

16604 - وهو قول أبي حنيفة .

16605 - وقال الشافعي : يقوم المثل .

[ ص: 20 ] 16606 - ولهم في ذلك حجج يطول ذكرها .

16607 - فقال مالك : يقوم الصيد طعاما ، فإن قوم دراهم ثم قوم الطعام بالدراهم رأيت أن يجزي .

16608 - وقال الشافعي ومحمد بن الحسن : يقوم بالدراهم ثم تقوم الدراهم " طعاما " .

16609 - وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إذا حكم الحكمان بالقيمة كان المحكوم عليه مخيرا إن شاء أهدى ، وإن شاء صام ، وإن شاء تصدق .

16610 - واختلفوا في موضع الإطعام .

16611 - فمذهب مالك أن الإطعام في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام ، وإلا في أقرب المواضع إليه حيث الطعام .

16612 - وقال أبو حنيفة : يطعم إن شاء في الحرم ، وإن شاء في غيره .

[ ص: 21 ] 16613 - وقال الشافعي : لا يطعم إلا مساكين مكة كما لا ينحر الهدي إلا بمكة .

16618 - واختلفوا في مقدار الإطعام والصيام عنه .

16615 - فقال مالك : يطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما .

16616 - وهو قول الشافعي وأهل الحجاز .

16617 - وقال أبو حنيفة : يطعم كل مسكين مدين ، أو يصوم مكان كل مدين يوما .

16618 - وهو قول الكوفيين ، ومجاهد .

16619 - واختلفوا في المحرم يقتل الصيد ثم يأكل منه .

16620 - فقال مالك ، والشافعي : ليس عليه إلا جزاء واحد .

16621 - وهو قول أبي يوسف ومحمد .

16622 - وقال أبو حنيفة : في قتله الجزاء كامل ، وفي أكله ضمان ما أكل .

16623 - وبه قال الأوزاعي .

16624 - وقال الأوزاعي : لو صاد الحلال في الحرم ، فعليه الجزاء فإن أكل مما صاد لم يضمن شيئا مما أحل .

16625 - واختلفوا في الحلال إذا دخل معه من صيد الحل شيئا إلى الحرم ، هل يجوز له أن يذبحه في الحرم ؟ 16626 - ففي " الموطأ " : الذي يصيد الصيد وهو حلال ، ثم يذبحه ، وهو محرم عليه جزاؤه ، وهو بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله .

[ ص: 22 ] 16627 - وقد روي عنه أن للمحل الذي صاده في الحل أن يذبحه في الحرم ، وأن يبيعه ، ويهبه فيه .

16628 - وبه قال الشافعي .

16629 - وقال أبو حنيفة : لا يجوز له فيه شيء من ذلك ، وعليه أن يرسله .

16630 - واتفقوا في المحرم إذا قتل صيدا مملوكا لغيره أن عليه قيمته لصاحبه والجزاء .

16631 - وخالفهم المزني ، فقال : لا جزاء عليه ، ولا يلزمه غير قيمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية