الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
824 [ ص: 154 ] ( 36 ) باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام

787 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ; أن عمر بن الخطاب قال ، وهو يطوف بالبيت ، للركن الأسود : إنما أنت حجر . ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك . ثم قبله .

[ ص: 155 ] 17157 - قال مالك : سمعت بعض أهل العلم يستحب ، [ إذا رفع ] الذي يطوف بالبيت ، يده عن الركن اليماني ، أن يضعها على فيه .


17158 - قال أبو عمر : هذا الحديث مرسل ; لأن عروة لم يسمع من عمر . وقد روي متصلا مسندا من وجوه منها ما رواه : 17159 - ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، ويونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه : أنه حدثه ، قال : قبل عمر بن الخطاب الحجر ، ثم قال : والله لقد علمت أنك حجر ، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك .

[ ص: 156 ] 17160 - قال عمرو بن الحارث : وحدثني بمثلها زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر .

17161 - قال أبو عمر : زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندا أربعة عشر رجلا " .

17162 - وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في ( التمهيد ) .

[ ص: 157 ] 17163 - ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه ، ومن لم يقدر عليه وضع يده على فيه ثم وضعها عليه مستلما ورفعها إلى فيه ، فإن لم يقدر أيضا على ذلك كبر إذا قابله وحاذاه ، فإن لم يفعل فلا أعلم أحدا أوجب عليه دما ولا فدية .

17164 - روى ابن جريج عن محمد بن جعفر ، قال : رأيت ابن عباس قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات .

17165 - وروى الشافعي ، قال : حدثني سعيد عن سالم ، عن حنظلة بن أبي سفيان ، عن طاوس أنه كان لا يستلم الحجر إلا أن يراه خاليا ، وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات ، ثم سجد عليه على إثر كل تقبيلة .

17166 - قال أبو عمر : وروي في الحجر الأسود آثار عن السلف منها : عن ابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، ووهب بن منبه ، وكعب الأحبار وغيرهم أن الحجر الأسود من الجنة ، وأنه كان أشد بياضا من الثلج حتى سوده لمس أهل الشرك وعبدة الأصنام له ، وإنه لولا مسه من أرجاس أهل الجاهلية وأنجاسها ما مسه ذو عاهة إلا برأ .

[ ص: 158 ] 17167 - وعن ابن عباس ، وسلمان الفارسي : أنه من حجارة الجنة ، وأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان يشهد لمن استلمه بالوفاء والحق ، وهو يمين الله في الأرض ، وهو يصافح بها عباده .

17168 - وعن السدي قال : هبط آدم بالهند ، وأنزل معه الحجر الأسود ، وأنزل معه قبضة من ورق الجنة ، فنثرها آدم بالهند ، فأنبتت شجر الطيب ، فأجل ما يؤتى به من الطيب الهندي من ذلك الورق ، وإنما قبض آدم القبضة أسفا على الجنة حيث أخرج منها .

17169 - وروى ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث : أن قتادة حدثه ، أن أنس بن مالك حدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الحجر الأسود من حجارة الجنة ، وإني قد رضيت بما قسم .

17170 - قال : وحدثني أنس بن زيد ، عن ابن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : الركن حجر من حجارة الجنة .

17171 - أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني أبو إسماعيل الترمذي ، قال : حدثني شاذ بن الفياض ، قال : حدثني عمر بن إبراهيم .

[ ص: 159 ] العبدي البزار ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الحجر الأسود من حجارة الجنة .

17172 - قال أبو عمر : كل ما ذكرنا في الحجر الأسود قد جاء عن السلف على حسب ما وصفنا . وهو الصواب عندنا ، وأولى [ من قول ] ، من شذ فقال : إنه من حجارة الوادي ، وبالله التوفيق .

17173 - قال الشافعي : السجود على الحجر سجود لله تعالى ، وأنا أحب ما صنع ابن عباس وطاوس .

17174 - قال : وأخبرنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استلموا قبلوا أيديهم قال : نعم . رأيت جابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وأبا سعيد الخدري ، وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم . قلت : وابن عباس ؟ قال : نعم حسبت كثيرا قلت : هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك . قال : فلم أستلمه إذن .

17175 - قال ابن جريج : قلت لعطاء : تقبيل الركن الأسود ؟ قال : حسن .

[ ص: 160 ] 17176 - قال أبو عمر : إذا كان موجودا عن السلف في الركن الأسود فما ذكره مالك عن بعض أهل العلم في الركن اليماني ; لأن الركنين السنة فيهما استلامهما وتقبيل اليد ، وتقبيل الحجر الأسود ، خاصة لمن قدر عليه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية