الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
825 [ ص: 161 ] ( 37 ) باب ركعتي الطواف

788 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السبعين . لا يصلي بينهما ، ولكنه صلى بعد كل سبع ركعتين . فربما صلى عند المقام أو عند غيره 17177 - وسئل مالك عن الطواف ، إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به ، فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر ، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع ؟ قال : لا ينبغي ذلك . وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين .

17178 - قال مالك ، في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف . قال : يقطع ، إذا علم أنه قد زاد . ثم يصلي ركعتين . ولا يعتد بالذي كان زاد . ولا ينبغي له أن يبني على التسعة ، حتى يصلي سبعين جميعا ، لأن السنة في الطواف ، أن يتبع كل سبع ركعتين .

17179 - قال مالك : ومن شك في طوافه ، بعدما يركع ركعتي الطواف ، فليعد ، فليتمم طوافه على اليقين . ثم ليعد الركعتين ، لأنه لا صلاة لطواف ، إلا بعد إكمال السبع .

17180 - ومن أصابه شيء بنقض وضوئه ، وهو يطوف بالبيت ، أو يسعى .

[ ص: 162 ] بين الصفا والمروة
، أو بين ذلك . فإنه من أصابه ذلك ، وقد طاف بعض الطواف ، أو كله ، ولم يركع ركعتي الطواف ، أنه يتوضأ . ويستأنف الطواف والركعتين . وأما السعي بين الصفا والمروة . فإنه لا يقطع ذلك عليه ، ما أصابه من انتقاض وضوئه . ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء .


[ ص: 163 ] [ ص: 164 ] [ ص: 165 ] [ ص: 166 ] 17181 - قال أبو عمر : أما فعل عروة ( رحمه الله ) أنه كان لا يجمع بين السبعين . . إلى آخر خبره المذكور في أول هذا الباب ; فالسنة المجتمع عليها في الاختيار أن يتبع كل سبوع ركعتين ، وعلى هذا جمهور العلماء .

17182 - قال ابن وهب ، عن مالك : السنة التي لا اختلاف فيها ولا شك ، والذي اجتمع عليه المسلمون أن مع كل سبوع ركعتين .

17183 - وقال أشهب : سئل مالك عمن طاف سبعين ثم ركع لهما ؟ فقال : ما أحبه ، وما ذلك من عمل الناس .

17184 - وكره الثوري أن يجمع بين سبوعين .

17185 - وكرهه أيضا أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأكثر أهل العلم .

17186 - وقد كان بعض السلف يقرن الأسابيع ، منهم : عائشة أم المؤمنين ، والمسور بن مخرمة ، ومجاهد .

[ ص: 167 ] 17187 - ذكر ابن عيينة ، قال : حدثني محمد بن السائب ، عن أبيه ، أن عائشة كانت تطوف ثلاثة أسابيع تفرق بينها ، وتركع لكل سبوع ركعتين .

17188 - وذكر شعبة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنه كان لا يرى بأسا أن يطوف الرجل ثلاثة أسابيع أو خمسة ، وما كان وترا ، ويصلي لكل أسبوع ركعتين ويجمعهن ، وكان يكره سبعين أو أربعا .

17189 - وقال أبو يوسف أيضا .

17190 - وكان المسور بن مخرمة يفرق بين الأسبوعين .

17191 - قال أبو عمر : الحجة لمن كره ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين . وقال : ( خذوا عني مناسككم ) ; فينبغي [ ص: 168 ] الاقتداء به ، والانتهاء إلى ما سنه ، صلى الله عليه وسلم .

17192 - وعلة من أجاز ذلك أنها صلاة ليس لها وقت فيتعدى ، والطواف لا وقت له أيضا فحسبه أن يأتي من الطواف بما شاء ، ويركع لكل أسبوع ركعتين قياسا على من كانت عليه كفارتان في وقتين يجمعهما في وقت واحد .

17193 - وأما كراهة مجاهد الجمع بين السبعين وإجازته ثلاثة أسابيع إنما ذلك - والله أعلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه .

[ ص: 169 ] ومن طاف أسبوعين لم ينصرف على وتر ، فلذلك أجاز أن يطوف ثلاثة أسابيع وخمسة وسبعة ، ولم يجز اثنين .

17194 - قال أبو عمر : ثبتت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين . وأجمعوا على قول ذلك .

[ ص: 170 ] 17195 - وأجمعوا أيضا على أن الطائف يصلي الركعتين حيث شاء من المسجد ، وحيث أمكنه ، وأنه إن لم يصل عند المقام أو خلف المقام فلا شيء عليه .

17196 - واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده ، فقال مالك : إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي .

17197 - وقال الثوري : يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم .

17198 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : يركعهما حيث ما ذكر من حل أو حرم .

17199 - وحجة مالك في إيجاب الدم في ذلك قول ابن عباس : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما . وركعتا الطواف من النسك .

17200 - وحجة من أسقط الدم في ذلك أنها صلاة تقضى متى ذكرت لقوله ، صلى الله عليه وسلم : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ; وليستا بأوكد من المكتوبة ، ولا مدخل للدم عندهم .

17201 - وأما قول مالك في الرجل يدخل الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أطواف أو تسعة فإنه يقطع ويركع ركعتين ، ولا يعتد بالذي زاد ، ولا يبني عليه ، فهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها : 17202 - فقول أبي حنيفة ، ومحمد ، في ذلك كقول مالك .

[ ص: 171 ] 17203 - وبه قال أبو ثور .

17204 - وهو الأولى قياسا على صلاة النافلة فيهن يبني ، ويسلم في ركعتين ، فإذا قام إلى ثالثة وعمل فيها ثم ذكر ، رجع إلى الجلوس ، وتشهد وسلم وسجد .

17205 - وقال الثوري : إن بنى على الطواف والطوافين أسبوعا آخر فلا بأس ، ولا أحبه .

17206 - واستحب الشافعي في ذلك ما قاله مالك ، ولم يخرج عنده سهو الساهي إذا بنى .

17207 - وأما قوله : ( من شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف فليعد ، فليتم طوافه على اليقين ، ثم ليعد الركعتين ، لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع ) ، فقد احتج مالك للمسألة بما لا ريبة فيه ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من شك أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على يقين ، وليأت بركعة ) .

17208 - ولا خلاف أن الركعتين لا تكونان إلا بعد السبعة الأطواف .

17259 - وأما قوله : " من أصابه شيء ينقض وضوءه ، إلى آخر قوله ; فالسنة المجتمع عليها أنه لا ينبغي أن يكون الطواف إلا على طهارة لقوله - عليه السلام - للحائض من نسائه : ( اقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي ) .

[ ص: 172 ] 17210 - هذا هو الاختيار عندهم .

17211 - واختلفوا فيمن طاف على غير طهارة ، فجملة قول مالك في ذلك أنه قاسها على من صلى على غير وضوء .

17212 - وقال مالك : لا يطاف إلا في ثوب طاهر وعلى طهارة ، فإن أحدث في الطواف توضأ ، واستقبل إذا كان الطواف واجبا عليه أو من سنن الحج وأما الطواف التطوع فإنه إن أراد تمامه استأنف الوضوء له .

17213 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : إن ذكر الذي طاف الطواف [ ص: 173 ] الواجب أو المسنون أنه كان على غير طهارة ذلك اليوم أو جنبا له الإعادة ، وعليه دم .

17214 - وقال محمد : ليس عليه إعادة الطواف ، وإن طاف كان حسنا ، والدم على كل حال لا يسقطه عنه إعادة الطواف .

17215 - وقال الشافعي : إذا طاف في ثوب نجس وإن كان حسنا فالدم عليه على كل حال .

17216 - وقال : أو على جسده شيء من نجاسة أو في نعله نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد بالصلاة في ذلك ، وكان في حكم من لم يطف .

17217 - قال : والطائف بالبيت في حكم المصلي في الطهارة خاصة .

17218 - ولا يرى الشافعي في الطواف تطوعا على من قطعه عليه الحدث أو قطعه عامدا أعاده كالصلاة النافلة عنده ، ولا يحل عنده الطواف التطوع ولا صلاة التطوع إلا على طهارة .

17219 - وقال أبو ثور : إذا طاف على غير وضوء ، أو في ثوبه بول ، أو قذر ، أو دم كثير فأخشى وهو يعلم لم يجزه ذلك ، وإن كان لا يعلم أجزاه طوافه .

17220 - وقال أحمد ، وإسحاق : لا يجوز طواف إلا على طهارة .

[ ص: 174 ] 17221 - وقال إبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، ومنصور بن المعتمر ، والأعمش : يجزي الطواف على غير طهارة .

17222 - روى شعبة عن منصور ، وحماد ، والأعمش في الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة لم يروا بذلك بأسا .

17223 - قال الأعمش : أحب إلي أن يطوف على طهارة .

17224 - قال أبو عمر : من أجاز الطواف على غير طهارة قاسه على إجماع العلماء في السعي بين الصفا والمروة أنه جائز على غير طهارة ، ومن لم يجزه إلا على طهارة احتج بما تقدم من قوله ، عليه السلام : " تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت " . وقوله وقول أصحابه ( الطواف بالبيت صلاة ) ، وهو مرتبط بالبيت بعده ولا خلاف بينهما أنها لا تجزي على غير طهارة .

17225 - وأما قول مالك " أنه لا يدخل السعي إلا بطواف " فهذا اختيار منه لمن صح له طوافه على طهارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية