الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
829 [ ص: 180 ] ( 39 ) باب وداع البيت

792 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن عمر بن الخطاب قال : لا يصدرن أحد من الحاج ، حتى يطوف بالبيت . فإن آخر النسك الطواف بالبيت .

17247 - قال مالك ، في قول عمر بن الخطاب : فإن آخر النسك الطواف بالبيت : إن ذلك ، فيما نرى ، والله أعلم ، لقول الله تبارك وتعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب [ الحج : 32 ] ، وقال ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] فمحل الشعائر كلها ، وانقضاؤها ، إلى البيت العتيق .

793 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران ، لم يكن ودع البيت حتى ودع .

794 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : من أفاض [ ص: 181 ] فقد قضى الله حجه . فإنه ، إن لم يكن حبسه شيء ، فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت . وإن حبسه شيء ، أو عرض له ، فقد قضى الله حجه

. 17248 - قال مالك : ولو أن رجلا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت ، حتى صدر . لم أر عليه شيئا . إلا أن يكون قريبا . فيرجع فيطوف بالبيت . ثم ينصرف إذا كان قد أفاض .


17249 - قال أبو عمر : وداع البيت لكل حاج أو معتمر لا يكون مكيا من شعائر الحج وسننه ، إلا أنه رخص للحائض إذا كانت قد أفاضت ، والإفاضة الطواف بالبيت بعد رمي جمرة العقبة وهو الذي يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة ، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة ، فمن طاف ذلك الطواف من النساء ثم حاضت فلا جناح عليها أن تصدر عن البيت وتنهض راجعة إلى بلدها دون أن [ ص: 182 ] تودع البيت .

17250 - وردت السنة بذلك في الحائض التي قد أفاضت ، وسيأتي ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله - عز وجل - وسنذكر هناك من رخص للحائض في ذلك من العلماء اتباعا للسنة التي بلغته فيها ، ومن لم يرخص لها لما غاب عنه في ذلك .

17251 - قال ابن وهب : قال لي مالك : في قول عمر بن الخطاب : " آخر النسك الطواف بالبيت ، قال : ذلك الأمر المعمول به ، الذي لا ينبغي لأحد تركه إلا من عذر ، وذلك لمن كان بمنى ، فمن أراد الصدر فأما من رجع إلى مكة بإفاضة فإن له سعة أن يخرج وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض .

17252 - قال أبو عمر : هو قول عطاء ، ذكر ابن جريج ، عن عطاء ، قال : إذا أخرت طوافك إلى أن تجيء يوم الصدر أجزاك لزيارتك وصدرك ، يعني الوداع .

17253 - قال الثوري : من نسي فخرج ولم يودع رجع إن ذكر في الحرم فطاف ، وإن كان قد خرج من الحرم لم يرجع ويمضي ; وأهراق دما .

[ ص: 183 ] 17254 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

17255 - وأوصى سفيان الثوري عند موته أن يهراق عنه دم ، لأنه خرج مرة بغير وداع .

17256 - واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع ، ثم بدا له في شراء حوائج من السوق ونحو ذلك : 17257 - فقال عطاء : إذا لم يبق إلا الركوب والنهوض فحينئذ يودع ، وإنما هو عمل ، يختم به .

17258 - وبه قال الشافعي ، والثوري ، ومحمد ، وأبو ثور .

17259 - وقال الشافعي : إذا اشترى في بعض جهازه وطعامه وحوائجه في السوق بعد الوداع .

17260 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : أحب إلينا أن يكون طوافه حين يخرج ، فلو ودع البيت ثم أقام شهرا أو أكثر أجزاه ذلك ولم يكن عليه إعادة .

17261 - قال أبو عمر : هذا خلاف قول عمر ، رضي الله عنه : فليكن آخر عهده الطواف بالبيت .

17262 - واختلفوا في المعتمر الخارج إلى التنعيم هل يودع ؟ .

17 ب - فقال مالك والشافعي : ليس عليه وداع .

17264 - وقال الثوري : إن لم يودع فعليه دم .

17265 - قال أبو عمر : قول مالك أقيس ، لأنه راجع في عمرته إلى البيت . [ ص: 184 ] وليس بناهض إلى بلده .

17266 - ويقولون : إن بين مر الظهران وبين مكة ثمانية عشر ميلا . وهذا بعيد عن مالك وأصحابه ، ولا يرون على أحد طواف الوداع من مثل هذا الموضع .

17267 - وجملة قول مالك فيمن لم يطف للوداع أنه إذا كان قريبا رجع ، فطاف ليودع البيت ، وإن بعد فلا شيء عليه .

17268 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : يرجع إلى طواف الوداع ما لم يبلغ المواقيت ، فإن بلغها ولم يرجع فعليه دم .

17269 - وقالوا في أهل ( بستان ابن عامر ) ، وأهل المواقيت : إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الصدر .

17270 - وقال سفيان الثوري والشافعي : من لم يطف الوداع فعليه دم إن يغدو إن أمكنه الرجوع رجع .

17271 - وهو قول الحسن البصري ، والحكم ، وحماد ، ومجاهد ، كلهم يقولون : عليه دم .

17272 - وثبت عن ابن عباس أنه قال : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ولا خلاف أن طواف الوداع من النسك .

17273 - والحجة لمالك أن طواف الوداع ساقط عن المكي ، وعن الحائض ، فليس من السنن اللازمة وألزمه بدنة ، فلا يجب فيها شيء إلا بيقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية