الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
832 [ ص: 185 ] ( 40 ) باب جامع الطواف

795 - مالك ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن ، عروة بن الزبير ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي ؟ فقال : " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، قالت : فطفت راكبة بعيري . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي ، إلى جانب البيت . وهو يقرأ ب ( والطور وكتاب مسطور ) .


[ ص: 186 ] 17274 - قال أبو عمر : قولها ( يصلي ) تريد صلاة الصبح ، بدليل ما ذكره البخاري عن محمد بن حرب ، عن يحيى بن أبي زكريا الغساني ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سلمة ، ولم تكن طافت بالبيت وأرادت الخروج : " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ، ففعلت ذلك ولم تصل حتى خرجت .

17275 - قال أبو عمر : اختلف العلماء فيمن طاف بالبيت راكبا ومحمولا : 17276 - فقال مالك : إن كان من عذر أجزاهما ، وإن كان من غير عذر أعادا جميعا .

17277 - وإن رجع المحمول إلى بلده كان عليه أن يهدي دما .

17278 - قال : ولو طاف بصبي وسعى بين الصفا والمروة أجزاه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك .

17279 - وهو قول الليث في الطواف ، والسعي عنده بمنزلة الطواف .

17280 - وقال مالك في المريض يطاف به محمولا ثم يفيق : أحب إلي أن يعيد ذلك الطواف .

17281 - وذكر ابن القاسم عنه ، قال : يطوف لنفسه من أراد أن يطوف [ ص: 187 ] بالصبي ، ثم يطوف بالصبي ولا يركع عنه . ولا شيء على الصبي في ركعتيه .

17282 - قال : ومن طاف بالبيت محمولا من غير عذر . قال ابن القاسم : أرى أن يعيد ، فإن رجع إلى بلاده عاد فطاف وأهراق دما ، وإن طاف راكبا أعاد ، وإن طال فعليه دم ، وإن سعى بالصبي من لم يسع بين الصفا والمروة فهو أخف من الطواف بالبيت ، ويجزئه ، ولا بأس أن يسعى لنفسه والصبي معه سعيا واحدا ويجزئهما جميعا على راحلته .

17283 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن طاف راكبا من غير عذر فعليه أن يعيد إن كان بمكة ، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم ، وإن طاف راكبا من عذر أجزاه ، وكذلك المحمول عند محمد بن الحسن ، فقال : لو طاف بأمه حاملا لها أجزاه عنه وعنها ، وكذلك لو استأجرت امرأة رجلا يطوف بها حاملا كان الطواف لهما جميعا والأجر له .

17284 - وقال الشافعي : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة راكبا من غير مرض ، ولكنه أحب أن يشرف للناس يسألونه . وليس أحد مثله ، وأكثر ما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماشيا ، فمن طاف راكبا من - غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية .

17285 - ولا أحب لمن طاف ماشيا أن يركب ، فإن طاف راكبا أو حاملا من عذر أو غيره فلا دم عليه .

[ ص: 188 ] 17286 - وحجته ما رواه ابن جريج وابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه .

17287 - قال ابن جريج : وأخبرني أبو الزبير ، عن جابر ، قال : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالبيت ، وبين الصفا والمروة على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم ، إن الناس غشوه .

17288 - وقال أبو ثور : إذا كان الرجل مريضا ; فطاف محمولا أو على دابة أجزاه ذلك ، وإن طاف راكبا أو محمولا من غير علة ولا عذر لم يجزه ذلك ، وكان عليه أن يعيد ، وكان بمنزلة من صلى وهو صحيح قاعدا .

17289 - قال أبو عمر : أما من صلى وهو صحيح قادر على القيام - جالسا ؟ فصلاته باطلة ، بإجماع من العلماء إذا كان إماما أو منفردا ، فكيف يقاس على هذا الأصل ما فرقت السنة بينهما بما ذكرنا من حديث ابن عباس ، وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف على راحلته ، ولم يقل إن طوافي ذلك لعذر ؟ ولا نقل ذلك من يوثق بنقله . ومعلوم أن التأسي به مباح أو واجب حتى يتبين خصوص بما لا دفع فيه من الخبر اللازم .

[ ص: 189 ] 17290 - إلا أنه قد روي في حديث ابن عباس أن طوافه راكبا كان لشكوى .

17291 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم قال : حدثني بكر بن حماد ، وحدثني عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال حدثني مسدد ، قال : حدثني خالد بن عبد الله . قال : حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي ، فطاف على راحلته كلما أتى الركن استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى .

التالي السابق


الخدمات العلمية