الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
84 [ ص: 278 ] ( 12 ) باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف .

72 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ؛ أن المسور بن مخرمة أخبره ؛ أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها . فأيقظ عمر لصلاة الصبح . فقال عمر : نعم . ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . فصلى عمر ، وجرحه يثعب دما .


2401 - ومعنى يثعب : ينفجر ، وانثعب : انفجر . وثعب الماء : فجره ، قاله صاحب العين .

2402 - وحديث عمر هذا هو أصل هذا الباب عند العلماء فيمن لا يرقأ [ ص: 279 ] دمه ولا ينقطع رعافه : أنه لا بد له من الصلاة في وقتها ، إذا أيقن أنه لا ينقطع قبل خروج الوقت .

2403 - وليس حال من وصفنا حاله بأكثر من سلس البول والمذي ؛ لأن البول والمذي متفق على أن خروجهما في الصحة حدث .

2404 - وكذلك اختلفوا في البول والمذي الخارجين لعلة مرض أو فساد : هل يوجب خروجهما الوضوء ، كخروجهما في الصحة ؟

2405 - وسنذكر هذا في بابه في هذا الكتاب إن شاء الله .

2406 - وفائدة حديث عمر عند أصحابنا أنه صلى وجرحه لا يرقأ ، ولم يذكر وضوءا . وقد نزعوا فيما نزعوا فيه من ذلك ، وأجمعوا أنه لا يمنع ذلك من أراد الصلاة على كل حال .

2407 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، قال : كانت لي دمامل ، فسألت أبي عنها ، فقال : إذا كانت ترقأ فاغسلهما ، وتوضأ وإن كانت لا ترقأ فتوضأ وصل وإن خرج منها شيء ، فإن عمر قد صلى وجرحه يثعب دما .

2408 - وحديث عمر رواه مالك في " الموطأ " عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن المسور بن مخرمة أخبره : أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها ، فأيقظ عمر لصلاة الصبح ، فقال عمر : نعم . ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . فصلى عمر ، وجرحه يثعب دما .

[ ص: 280 ] 2409 - ورواه سفيان الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : حدثني سليمان بن يسار أن المسور بن مخرمة أخبره قال : دخلت أنا وابن عباس على عمر حين طعن فقلنا : الصلاة فقال : " أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة " . فصلى وجرحه يثعب دما .

[ ص: 281 ] 2410 - ذكره عبد الرزاق ، ووكيع ، عن الثوري .

2411 - وذكر ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب : أن سليمان بن يسار أخبره : أن المسور بن مخرمة أخبره عن عمر بن الخطاب إذ طعن : أنه دخل هو وابن عباس من الغد ، فأفزعوه للصلاة ففزع . وقال : " نعم لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " ، فصلى والجرح يثعب دما .

2412 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : لما طعن عمر احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله ، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح فقال رجل : إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة . قال : فقلنا : الصلاة يا أمير المؤمنين ! قال : ففتح عينيه ، ثم قال : أصلى الناس ؟ قلنا : نعم . قال : " أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " ، فصلى وجرحه يثعب دما .

2413 - وأما قول عمر : لا حظ في الإسلام ؛ فالحظ النصيب . يقول : لا نصيب في الإسلام .

2414 - وقوله يحتمل وجهين : ( أحدهما ) خروجه من الإسلام بذلك ، ( والآخر ) أنه لا كبير حظ له في الإسلام .

2415 - كما قيل : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، ولا إيمان لمن [ ص: 282 ] لا أمانة له وليس المسكين بالطواف ، ونحو هذا .

[ ص: 283 ] 2416 - وهو كلام خرج على ترك عمل الصلاة ، لا على جحودها .

2417 - وأجمع المسلمون أن جاحد فرض الصلاة كافر حلال دمه ، كسائر الكفار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولا له دين يفر عليه دمه .

2418 - واختلف في تارك الصلاة وهو قادر عليها ، غير جاحد بفرضها .

2419 - فثبت عن عمر قوله : " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " .

2420 - وثبت عن ابن مسعود أنه قال : ما تارك الصلاة بمسلم .

[ ص: 284 ] [ ص: 285 ] 2421 - وروي عن النبي - عليه السلام - : أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة . فمن تركها فقد كفر " .

2422 - وآثار كثيرة مذكورة في التمهيد بنحو ذلك .

2423 - وقال مالك وأصحابه : إذا أبى من الصلاة وقال : لا أصلي ضربت عنقه .

2424 - وهو معنى قول الشافعي .

2425 - وقال الشافعي : يقول له الإمام : صل ، فإن قال : لا أصلي سئل عن العلة التي من أجلها ترك الصلاة . فإن ادعى علة بجسده لا يطيق من أجلها القيام والركوع والسجود قيل له : صل كيف أطقت . فإن قال : لا أصلي وحضر وقتها فلم يصلي ، وأبى حتى خرج وقتها قتله الإمام .

2426 - ذكره الطبري عن الربيع عن الشافعي .

[ ص: 286 ] 2427 - وذكر المزني : قال الشافعي : يقال لمن ترك الصلاة حتى خرج وقتها بلا عذر : إن صليت وإلا استتبناك ، فإن تبت وإلا قتلناك ، كما من يكفر يقال له : إن آمنت وإلا قتلناك .

2428 - وقد قيل : يستتاب ثلاثا ، فإن صلى فبها وإلا قتل ، وذلك حسن .

2429 - قال المزني : وقد قال في المرتد : إن لم يتب قتل ، ولا ينتظر به ثلاثا ، لقوله - عليه السلام - : " من بدل دينه فاضربوا عنقه " وقد جعل تارك الصلاة بلا عذر كتارك الإيمان ، فله حكمه في قياس قوله ؛ لأنه عنده مثله ، فلا ينتظر به ثلاثا .

2430 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : يعاقب ، ويضرب ، ويحبس أبدا حتى يصلي .

2431 - وبه قال داود .

2432 - وذكر الطبري بإسناد له عن الزهري قال : إذا ترك الرجل الصلاة فإن كان إنما تركها لأنه ابتدع دينا غير الإسلام قتل ، وإن كان إنما هو فاسق فإنه يضرب ضربا مبرحا ، ويسجن حتى يرجع .

2433 - قال : والذي يفطر رمضان كذلك .

[ ص: 287 ] 2434 - قال الطبري : وهو قولنا ، وإليه يذهب جماعة أهل الأمة من أهل الحجاز والعراق مع شهادة النظر له بالصحة .

2435 - وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وطائفة : تارك الصلاة وهو مقر بها إذا أبى أن يصليها كافر خارج بذلك من الإسلام ، فيستتاب . فإن تاب وصلى وإلا قتل ، ولم يرثه ورثته ، وكان ماله فيئا .

2436 - وقد ذكرنا وجوه هذه الأقوال كلها والاعتلال لها من القرآن والسنة والآثار في " التمهيد " عند قوله عليه السلام في حديث زيد بن أسلم وحديث بسر بن محجن : " ما لك لم تصل معنا ألست برجل مسلم " ؟ فمن أراد الوقوف على ذلك قابله هناك إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية