الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
839 802 - مالك ، عن هشام بن عروة ; أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير . فخرجت تطوف بين الصفا والمروة ، في حج أو عمرة ، ماشية . وكانت امرأة ثقيلة . فجاءت حين انصرف الناس من العشاء فلم تقض طوافها ، حتى نودي بالأولى من الصبح . فقضت طوافها ، فيما بينها وبينه . وكان عروة ، إذا رآهم يطوفون على الدواب ، ينهاهم أشد النهي . [ ص: 221 ] فيعتلون بالمرض حياء منه . فيقول لنا ، فيما بيننا وبينه : لقد خاب هؤلاء وخسروا .


17407 - قال أبو عمر : في هذا الخبر حجة لمالك في كراهية أن يطوف أحد راكبا من غير عذر لازم .

17408 - وفيه إعلام بما كان عليه الصالحون من الرجال والنساء من الصبر على أعمال الطاعات وإن كان في بعضها رخصة طلبا للأجر وجزيل الثواب من الله - عز وجل - لم يجد رخصة من الله في الطواف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا لذي العذر من المرض أو زمانة . ألا ترى أنه لما اعتلوا له بالمرض لم ينكر عليهم ، ثم قال سرا كلاما معناه إن كان هؤلاء كذبوا فيما اعتلوا به فقد خابوا وخسروا .

1409 - وعلى كراهة الركوب بين الصفا والمروة من غير علة ولا ضرورة جمهور أهل العلم .

17410 - وبه قال مالك والكوفيون ، وإليه ذهب أحمد ، وإسحاق .

17411 - وروي ذلك عن عائشة ، وعروة .

17412 - وقال الشافعي : لا بأس به ، وقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله ولم يخبر بعلة ولا ضرورة .

17413 - وقال : حدثني سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو [ ص: 222 ] الزبير ، عن جابر ، قال : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته على راحلته بالبيت ، وبين الصفا والمروة ليراه الناس ، وليشرف لهم لأن الناس غشوه .

17414 - وقال ابن جرير : وأخبرني عطاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا .

17415 - فقلت لعطاء : لم ؟ قال : لا أدري .

17416 - قال أبو عمر : قد روي عن عطاء ومجاهد أنهما سعيا راكبين .

17417 - ولم تقدر سودة بنت عبد الله بن عمر لثقل جسمها أن تقضي الطواف بين الصفا والمروة سبعا إلا بين العشاء والأذان للصبح ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولو ركبت كان في ذلك رخصة لها .

17418 - وقد يشبه أن يكون ذلك في ليالي الصيف مع التغليس بالصبح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية