الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
848 811 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : " اركبها " فقال : يا رسول الله . إنها بدنة . فقال : " اركبها . ويلك " في الثانية ، أو الثالثة .


17525 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " الاختلاف على أبي الزناد في إسناد هذا الحديث ، والاختلاف أيضا في ألفاظه عن مالك وغيره .

[ ص: 253 ] 17526 - واختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع .

[ ص: 254 ] 17527 - فمذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة وغير ضرورة .

17528 - وبعضهم أوجب ذلك لقول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اركبها " .

17529 - وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال على ظاهر هذا الحديث .

17530 - والذي ذهب إليه مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأكثر الفقهاء : كراهية ركوب الهدي من غير ضرورة .

17531 - وكذلك كره مالك شرب لبن البدنة . وإن كان بعد ري فصيلها . قال : فإن فعل ذلك فلا شيء عليه .

17532 - وقال أبو حنيفة والشافعي : إن نقصها الركوب أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها ، وقيمة ما نقصها الركوب .

17533 - وحجة من ذهب هذا المذهب أن ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع ، فإن اضطر إلى ذلك جاز له لحديث جابر في ذلك .

17534 - حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها [ ص: 255 ] حتى تجد ظهرا " .

17535 - وحجة مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أذن في ركوب الهدي عند الحاجة إليه كان ذلك منه بيانا أن ذلك جائز فيما يخرج لله ، ولو وجب في ذلك شيء لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فهو يبين عن الله تعالى مراده ، وقد سكت عن إيجاب شيء من ذلك وما سكت عن ذلك فهو عفو منه ، والذمة بريئة إلا بيقين .

17536 - وأما قوله " ويلك " فمخرجه الدعاء عليه إذ أبى من ركوبها في أول مرة ، وقال له : إنها بدنة . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنها بدنة ، فكأنه قال له : الويل لك في مراجعتك إياي فيما لا تعرف وأعرف .

[ ص: 256 ] 17537 - وكان الأصمعي يقول : ويلك كلمة عذاب : وويحك كلمة رحمة .

وذكر مالك في آخر هذا الباب

التالي السابق


الخدمات العلمية