الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
855 [ ص: 265 ] 818 - مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال : باسم الله ، والله أكبر .


17557 - قال أبو عمر : أما قوله : " كان إذا أهدى هديا من المدينة ، قلده وأشعره بذي الحليفة " فهي السنة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الحديبية ، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي ، وأشعره ، وأحرم .

17558 - فإن كان الهدي من الإبل والبقر فلا خلاف أنه يقلد نعلا أو نعلين أو ما يشبه ذلك ممن يجد النعال .

17559 - قال مالك : يجزئ النعل الواحد في التقليد .

17560 - وكذلك هو عند غيره .

17561 - وقال الثوري : يقلد نعلين ، وفم القربة يجزي .

17562 - واختلفوا في تقليد الغنم .

17563 - فقال مالك ، وأبو حنيفة : لا تقلد الغنم .

[ ص: 266 ] 17563 م - وقال الشافعي : تقلد البقر والإبل النعال ، وتقلد الغنم الرقاع .

17564 - وهو قول أبي ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ; لحديث الأعمش عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى إلى البيت مرة غنما فقلدها .

17565 - وقال مالك : لا ينبغي أن يقلد الهدي إلا عند الإهلال ، يقلده ، ثم يشعره ، ثم يصلي ، ثم يحرم .

17566 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع .

17567 - وجائز إشعار الهدي قبل تقليده ، وتقليده قبل إشعاره ، وكل ذلك قد روي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

17568 - وأما توجهه إلى القبلة في حين التقليد ، فإن القبلة على كل حال يستحب استقبالها بالأعمال التي يراد بها الله - عز وجل - تبركا بذلك ، واتباعا للسنة .

[ ص: 267 ] 17569 - قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " من أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا . . . " الحديث .

17570 - فهذا في الصلاة ، وتدخل فيه الذبيحة .

17571 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستقبل بذبيحته القبلة ، ويقول : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا الآية [ الأنعام - 79 ] .

17572 - وكره ابن عمر وابن سيرين : أن يؤكل من ذبيحة من لم يستقبل بذبيحته القبلة .

17573 - وأباح أكلها جمهور العلماء ، منهم : إبراهيم ، والقاسم .

17574 - وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والشافعي .

17575 - ويستحبون مع ذلك أن يستقبلوا القبلة . وقد روي في الحديث المرفوع : خير المجالس ما استقبل به القبلة " فما ظنك بما هو أولى بذلك ؟

[ ص: 268 ] 27576 - وأما تقليده بنعلين فقد روي ذلك عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

17577 - وإنما التقليد علامة للهدي كأنه إشهار منه أنه أخرج ما قلده من ملكه لله - عز وجل - وجائز أن يقلد بنعل واحدة ، ونعلان أفضل إن شاء الله لمن وجدها .

17578 - وكذلك الإشعار أيضا علامة للهدي ، وجائز الإشعار في الجانب الأيمن ، وفي الجانب الأيسر .

17579 - وقد روي عن ابن عمر أنه كان ربما فعل هذا ، وربما فعل هذا . إلا أن أكثر أهل العلم يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن ; لحديث ابن عباس في ذلك .

17580 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني أبو الوليد الطيالسي ، وحفص بن عمر ، قالا : حدثني شعبة ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا ببدنه ، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، ثم سلت الدم عنها ، وقلدها بنعلين " .

[ ص: 269 ] 17681 - وممن استحب الإشعار في الجانب الأيمن : الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

17582 - وكان مالك يقول : يشعر من الجانب الأيسر . على ما رواه عن نافع ، عن ابن عمر .

17583 - وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .

17584 - ورواه معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر : أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم .

17585 - وقال مجاهد : أشعر من حيث شئت .

17586 - وكان أبو حنيفة ينكر الإشعار ويكرهه ، ويقول : إنما كان ذلك قبل النهي عن المثلة .

17587 - وهذا الحكم لا دليل عليه إلا التوهم والظن ; ولا تترك السنن بالظنون .

17588 - وأما نحره بمنى فهو المنحر عند الجميع في الحج .

17589 - وأما تقديمه النحر قبل الحلق فهو الأولى عند الجميع ، وسيأتي في التقديم والتأخير فيما يفعل يوم النحر من عمل الحج وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

[ ص: 270 ] 17590 - وأما صفه لبدنه فمأخوذ من قول الله ، عز وجل : فاذكروا اسم الله عليها صواف [ الحج : 36 ] . وقد تقدم القول في ذلك .

17591 - وأما أكله وإطعامه من الهدي فيدل على أن ذلك كان هدي تطوع قد بلغ محله امتثالا لقول الله ، عز وجل : فكلوا منها وأطعموا [ الحج : 36 ] ، وهذا عند الجميع في الهدي التطوع إذا بلغ محله ، وفي الضحايا ، وسيأتي القول فيما يؤكل من الهدي وما لا يؤكل منه ، ومذاهب العلماء في ذلك في موضعه إن شاء الله .

17592 - وأما قوله عند نحره : " بسم الله ، والله أكبر " فلقول الله ، عز وجل : فاذكروا اسم الله عليها [ الحج : 36 ] . ومن أهل العلم من يستحب التكبير مع التسمية كما كان يقول ابن عمر ، وعساه أن يكون امتثل قول الله ، عز وجل : ولتكبروا الله على ما هداكم [ البقرة : 185 ] .

17593 - ومنهم من كان يقول : التسمية تجزي ولا يزيد على بسم الله ، وأحب إلي أن يقول : بسم الله ، الله أكبر .

17594 - وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في ذبح ضحيته ، وهو قول أكثر أهل العلم .

17595 - مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول : الهدي ما قلد وأشعر ، ووقف بعرفة .

[ ص: 271 ] 17596 - قال أبو عمر : قد تقدم في الحديث قبل هذا عنه أنه كان يسوق هديه حتى يقفه بعرفة مع الناس ثم يدفع به معهم إذا دفعوا ، فإذا قدم منى نحره .

17597 - ووقف الهدي بعرفة عند مالك وأصحابه لمن اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل واجب ، لا يجزئ عندهم غير ذلك على قول ابن عمر : الهدي ما قلد وأشعر ووقف به على عرفة .

17598 - قال مالك : من اشترى هديه بمكة أو بمنى ونحره ، ولم يخرجه إلى الحل فعليه البدن ; فإن كان صاحب الهدي قد ساقه من الحل استحب له أن يقفه بعرفة ، فإن لم يقفه فلا شيء عليه وحسبه في الهدي أن يجمع بين الحل والحرم .

17599 - وقد كان سعيد بن جبير يقول نحو قول ابن عمر : لا يصلح من الهدي إلا ما عرف .

17600 - وهو قول مالك .

17601 - وأما عائشة فكانت تقول : إن شئت فعرف وإن شئت فلا تعرف .

17602 - وروي ذلك عن ابن عباس .

17603 - وبه قال الشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأبو ثور .

17604 - وقال الشافعي : وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء إذا لم يسقه من الحل .

17605 - وقال أبو حنيفة : ليس بسنة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ساق الهدي من الحل ; لأن مسكنه كان خارج الحرم .

[ ص: 272 ] 17606 - وقول مالك والشافعي أولى ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساق هديه من الحل . وقد أجمعوا أن التقليد سنة ، فكذلك التعريف لمن لم يأت بهديه من الحل .

17607 - وأما حجة مالك في إيجاب ذلك فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدخل هديه من الحل ، وقال : " خذوا عني مناسككم " ، والهدي إذا وجب باتفاق فواجب أن لا يجزئ إلا بمثل ذلك أو سنة توجب غير ذلك ، والفعل منه - صلى الله عليه وسلم - عند المالكيين على الوجوب في مثل هذا .

17608 - وقد أجمعوا أن الحاج والمعتمر يجمعان بين الحل والحرم في عمل الحج والعمرة يكن له الهدي .

17609 - قالوا : وإنما سمي الهدي هديا ; لأنه يهدي من الحل إلى الحرم كما يهدي من ملك ملكه إلى الله ، عز وجل .

17610 - قال أبو عمر : أصحاب الشافعي ومن تابعه يقولون : اسم الهدي مشتق من الهدية ، فإذا أهدي إلى مساكين الحرم فقد أجزأ من أي موضع جاء .

17611 - وروى معمر عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إنما الهدي ما قلد ، وأشعر ، ووقف به بعرفة . وأما ما اشتري بمنى فهو جزور .

17612 - وعن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبدن .

[ ص: 273 ] 17613 - وكان ابن سيرين يكره شراء البدنة إذا لم توقف بعرفة .

17614 - وروى الثوري ، وابن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قال : ما استطعتم فعرفوا به ، وما لم تستطيعوا فاحبسوه ، واعقلوه بمنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية