الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
862 [ ص: 276 ] ( 47 ) باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل

820 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن صاحب هدي [ ص: 277 ] [ ص: 278 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ، ثم ألق قلادتها في دمها ، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها " .


17632 - قال أبو عمر : روي هذا الحديث مسندا في غير الموطأ " .

17633 - حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أبو خليفة ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ناجية الأسلمي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معه بهدي ، قال : " إن عطب فانحره ، ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس .

[ ص: 279 ] 17634 - وهكذا رواه جماعة عن هشام بن عروة ، منهم : ابن عيينة ، ووهب ، لم يزيدوا فيه على قوله : " وخل بينها وبين الناس يأكلونها " .

17635 - وروى ابن عباس هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فزاد فيه : " لا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك " .

17636 - حدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا ابن زيد ، قال : حدثنا أبو التياح ، عن موسى بن سلمة ، قال : خرجت أنا وسنان بن سلمة معتمرين . قال : وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها . فأزحفت عليه بالطريق ، فعيي بشأنها . إن هي أبدعت كيف يأتي بها ؟ فقال : لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك . قال : فأضحيت . لما نزلنا البطحاء قال : انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه . قال : فذكر له شأن بدنته . فقال : على الخبير سقطت ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها . قال : فمضى ثم رجع . فقال : يا رسول الله ! كيف أصنع بما أبدع علي منها ؟ قال " انحرها . ثم اصبغ نعليها في دمها . ثم اجعله على صفحتها . ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك .

17637 - ورواه شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سنان بن سلمة عن ابن عباس : أن ذؤيبا أبا قبيصة الخزاعي حدثه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : كان يبعث [ ص: 280 ] معه بالبدن ، ثم يقول : " إذا عطب منها شيء وخشيت عليه موتا فانحره ، ثم اغمس نعله في دمه ، ثم اضرب به صفحته ، ولا تطعم منه ولا أحد من أهل رفقتك " .

17638 - قال أبو عمر : لا يوجد هذا اللفظ إلا في حديث ابن عباس ، قوله : " ولا أحد من أهل رفقتك " وأكثر الفقهاء على خلافه . ومن جهة النظر ، فإن أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء بدليل قوله في حديث ناجية الأسلمي : " خل بينها وبين الناس فيأكلونها " ، لم يخص أهل رفقته من غيرهم .

17639 - ولا أعلم أحدا قال بهذه الزيادة إلا أبا ثور وداود ; قالا : لا يأكل منها هو ولا أحد من أهل رفقته .

17640 - قال أبو عمر : من قال بهذا قال : هي زيادة حافظ يجب العمل بها .

وكأنه هو لولا أحد من أهل رفقته في حكمه ; لما ندب إليه الرفيق من مواساة رفيقه فزاده ، وإلا فالقول ما قاله الجمهور لظاهر حديث ناجية " خل بينها وبين الناس " ، وهذا على عمومه .

17641 - ولا خلاف أنه يصنع بالهدي التطوع إذا عطب قبل محله ما في حديث ناجية ، وحديث ابن عباس من غمس نعله في دمه وضربه به صفحته [ ص: 281 ] والتخلية بينه وبين الناس ، وإنما ذلك - والله أعلم - ليكون علامة : أنها مباح أكلها ، وأنها لله فجعلها خارجة عن ملك صاحبها .

17642 - وأما قوله في حديث مالك : ( كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ ) فإن محمل هذا عند جماعة العلماء على الهدي التطوع ; لأنه هدي بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما في حديث ناجية وابن عباس ، فهو هدي تطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه ، أقامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقام نفسه بما يلتزم محله ليأكله قبل وجوب أكله قطعا للذريعة في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية