الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
869 [ ص: 288 ] ( 48 ) باب هدي المحرم إذا أصاب أهله

823 - مالك : أنه بلغه أن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبا هريرة : سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج ؟ فقالوا : ينفذان يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما حج قابل ، والهدي . قال : وقال علي بن أبي طالب : وإذا أهل بالحج من عام قابل تفرقا [ ص: 289 ] حتى يقضيا حجهما .

824 - مالك ، عن يحيى بن سعيد : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم ؟ فلم يقل له القوم شيئا . فقال سعيد : إن رجلا وقع بامرأته وهو محرم فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك فقال بعض الناس : يفرق بينهما إلى عام قابل . فقال سعيد بن المسيب : لينفذا لوجههما فليتما حجهما الذي أفسداه . فإذا فرغا رجعا . فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي . ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسداه ويتفرقان حتى يقضيا حجهما .

17694 - قال مالك : يهديان جميعا بدنة بدنة .


17695 - قال أبو عمر : قال الله ، عز وجل : الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [ الآية : 197 من سورة البقرة ] .

17696 - وأجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة وذلك لقوله تعالى : فلا رفث [ 197 : البقرة ] والرفث في هذا الموضع : الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن . وقد [ ص: 290 ] قيل غير ذلك ، والصواب عندهم ما ذكرت لك في تأويل الرفث في هذه الآية .

17697 - وأجمعوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ، ومن وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فقد أفسد عمرته ، وعليه قضاء الحج والهدي قابلا ، وقضاء العمرة ، والهدي في كل وقت يمكنه ذلك .

17689 - فأما اختلافهم فيمن وطئ بعد عرفة وقبل أن يرمي الجمرة ; فقال مالك في موطئه في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة : إنه يجب عليه الهدي ، وحج قابل .

17700 - قال : فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي ، وليس عليه حج قابل .

17701 - وروى ابن أبي حازم وأبو مصعب عن مالك أنه رجع عن قوله في " الموطأ " فيمن وطئ بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي الجمرة : أن حجه يفسد بوطئه ذلك ، وقال : ليس عليه إلا العمرة ، والهدي وحجه تام كمن وطئ بعد رمي الجمرة سواء .

17702 - قال أبو مصعب : إن وطئ بعد طلوع الفجر من ليلة النحر فعليه الفدية والهدي ، وإن كان قبل طلوع الفجر فقد فسد حجه .

[ ص: 291 ] 17703 - وفي " الأسدية " لابن القاسم : إن يطأ بعد مغيب الشمس يوم النحر فحجه تام ، رمى الجمرة أو لم يرم .

17704 - وقد تقصينا الاختلاف في ذلك عن مالك وأصحابه في كتب اختلافهم .

17705 - وروى ابن وهب ، وغيره ، عن مالك في " الموطأ " : أيضا ، قال مالك في " الموطأ " : من أفسد حجه أو عمرته بإصابة نساء فإنه يهل من حيث كان أهل بحجه الذي أفسد أو عمرته إلا أن يكون أهل من أبعد من الميقات ، فليس عليه أن يهل إلا من الميقات .

17706 - وقال ابن القاسم ، وأشهب ، عن مالك : في الذي يفسد حجه [ ص: 292 ] [ ص: 293 ] بإصابة أهله : يحجان من قابل ، ويفترقان إذا أحرما . قال : فقلت له : ولا يؤخران ذلك حتى يأتي الموضع الذي أفسدا فيه حجهما ؟ فقال : لا ، وهذا الذي سمعت . قال أشهب : فقلت له مما افتراقهما ؟ أيفترقان في البيوت أو في المناهل لا يجتمعان في منهل ؟ قال : لا يجتمعان في منزل ، ولا يتسايران ، ولا في الجعفة ولا بمكة ولا بمنى .

17707 - وقال الثوري : إذا جامع المحرم امرأته أفسد حجه وحجها ، وعليه بدنة ، وعليها أخرى ، فإن لم تكن بدنة أخرى كل واحد منهما شاة ، ثم يمضيان في حجهما ، فإذا فرغا من حجهما حلا ، وعليهما الحج من قابل ، ولا ينزلان بذلك المكان الذي تواقعا فيه إلا وهما مهلان ثم يفترقا من ذلك المكان . ولا يجتمعان حتى يفرغا من حجهما لا يكونان في محمل ولا فسطاط .

17708 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا جامع المحرم امرأة قبل الوقوف بعرفة كان على كل منهما شاة يذبحها ، ويتصدقا بلحمها ، ويقضيا حجهما مع الناس ، وعليهما الحج من قابل ، ولا يفترقان ، فإن جامع بعد الوقوف بعرفة ، فعليه بدنة ويجزئه شاة ولا حج عليه .

17709 - وقال الشافعي : الجماع يفسد الإحرام ما كان إذا جاوز الختان ، فإذا جامع المفرد أو القارن فعليه أن يمضي في إحرامه حتى يفرغ ، ثم يحج قابلا بمثل [ ص: 294 ] إحرامه الذي أفسد حاجا قارنا أو معتمرا ، ويهدي بدنة تجزئ عنهما معا ، وإذا أهلا بقضاء حجهما أهلا من حيث أهلا أولا ، وإن كان أبعد من الميقات فإن كانا أهلا بالإحرام الذي أفسدا من ميقاتهما أحرما من ميقاتهما ، فإن جاوزاه أهديا دما .

17710 - وقال أبو ثور مثل قول الشافعي إلا أنه قال : على المرأة - إلا إن كانت طاوعته - دم مثل ما على الرجل ولا يفترقان .

17711 - قال أبو عمر : تلخيص أقوالهم : أن مالكا ذهب إلى أن من وقع بأهله بعد الوقوف بعرفة ، وقبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه .

17712 - وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ، وأبي حنيفة .

17713 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري : إذا وطئ بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة ، وحجه تام .

17714 - وقال مالك : يجزي الواطئ شاة كسائر الهدايا .

17715 - وهو قول أبي حنيفة .

17716 - وقال الشافعي : لا يجزئ الواطئ إلا بدنة أو سبع من الغنم .

17717 - وقال مالك : الذي يفسد الحج والعمرة التقاء الختانين ، وإن لم يكن ماء دافق .

17718 - قال : ولو قبل امرأته ولم يكن من ذلك ماء دافق لم تكن عليه في القبلة إلا الهدي .

17719 - هذا كله قوله في " الموطأ " . وجملة مذهبه عند أصحابه : أنه من [ ص: 295 ] لمس ، فقبل ، فأنزل ، أو تابع النظر فأنزل فقد فسد حجه .

17720 - وقال الأوزاعي : إن لمس فأنزل ، أو وطئ دون الفرج فأنزل فقد أفسد حجه .

17721 - وقال عبد الله بن الحسن : إذا لمس فأنزل فقد أفسد حجه .

17722 - قال عبيد : وإن نظر فأنزل لم يفسد حجه .

17723 - وقال الشافعي : الذي يفسد الحج من الجماع ما يوجب الحد ، وذلك أن تغيب الحشفة ويلتقي الختانان ، لا يفسده شيء غير ذلك .

17724 - قال : وإن جامع دون الفرج فأحب إلي أن ينحر بدنة ويجزئه شاة .

17725 - قال : وكذلك كل ما تلذذ من امرأته من قبلة أو مباشرة أو غيرها ، أجزأه الدم .

17726 - قال : ويكفي المرأة إذا تلذذت بالرجل كما يكفي الرجل .

17727 - وبذلك كله قال أبو ثور .

17728 - وقال أبو حنيفة : لا يفسد الحج إلا أن ينزل .

17729 - قال أبو عمر : حجة من لم ير فساد الحج إلا بالوطء في الفرج القياس على ما أجمعوا عليه من وجوب الحد ، وعلة الإفساد في الفرج وفي [ ص: 296 ] غير الفرج : القياس على ما أجمعوا عليه من الغسل واتفقوا فيمن قبل وهو محرم .

17730 - قال مالك : ليس على من جامع مرارا إلا هدي واحد وعليهما واحد ، إن طاوعته .

17731 - وقال أبو حنيفة : إن كرر الوطء في مجلس واحد أجزاه هدي واحد ، وإن كان في مجالس مختلفة فعليه في كل مجلس هدي .

17732 - وللشافعي في ذلك ثلاثة أقوال : أحدها كقول مالك ، وهو الأشهر عنه .

17734 - والآخر : عليه في كل وطء هدي .

17735 - والآخر : إن كان قد كفر فعليه هدي آخر مثل قول محمد .

17736 - واختلفوا فيمن وطئ امرأته ناسيا .

17737 - فقال مالك : سواء وطأ ناسيا أو عامدا فعليه الحج قابل والهدي .

17738 - وهو قول الشافعي في القديم .

17739 - وقال في الجديد : لا كفارة عليه إذا وطأ ناسيا ولا قضاء .

17740 - من أصحاب الشافعي من قال : لا يختلف قوله أنه لا قضاء عليه ولا كفارة كالصيام .

17741 - قال أبو عمر : أحكام الحج في قتل الصيد ، ولبس الثياب وغير ذلك ، يستوي فيه الخطأ والعمد ، فكذلك يجب أن يكون الوطأ في الحج ، والله أعلم .

[ ص: 297 ] 17742 - وقال مالك : كل نقص دخل الإحرام : من وطء ، أو حلق شعر ، أو إحصار بمرض فإن صاحبه إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لا مدخل للإطعام فيه .

17743 - وقال أبو حنيفة : كل جناية وقعت في الإحرام فلا يجزئ فيها إلا الهدي ، ولا يجوز فيها الصيام ولا الإطعام .

17744 - وقال الشافعي : على الحاج بدنة ، فإن لم يجد قومت البدنة دراهم ، وقومت الدراهم طعاما ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما إلا أن الطعام والهدي لا يجزيه واحد منهما إلا بمكة ، أو بمنى ، والصوم حيث شاء .

17745 - وقال محمد بن الحسن نحو قول الشافعي .

17746 - وقال مالك : من أكره امرأته فعليه أن يحجها من ماله ، ويهدي عنها كما يهدي عن نفسه ، وإن طاوعته فعليها أن تحج وتهدي من مالها .

17747 - وهو قول أبي حنيفة إلا أنه قال : وإن أكرهها فإنها تحج من مالها ولا ترجع به على من أكرهها .

17748 - وقال أصحابه : ترجع بكل ما أنفقت على الزوج إذا أكرهها .

17749 - وقال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق كقول مالك .

17750 - وقال الشافعي : إن طاوعته فعليهما أن يحجا ويهديا بدنة واحدة عنه وعنها لقوله في الصوم إن كفارة واحدة تجزي عنهما .

17751 - ولم يختلف قوله على الرجل إذا أكرهها أن يحجها ولا شيء عليها .

[ ص: 298 ] 17752 - قال أبو عمر : قد قال الشافعي في حلال حلق رأس محرم لغير أمره : إن على المحرم الفدية ويرجع على الحلال .

قال مالك : من وطئ امرأته فأفسد حجته فإنهما يحجان من قابل ، فإذا تفرقا من حيث أحرما .

17753 - وقال الثوري : من وطئ امرأته فأفسد حجته فإنهما يحجان من قابل ، فإذا أهلا تفرقا من حيث أحرما .

17754 - وقال الثوري ، والشافعي : يفترقا من حيث أفسدا الحجة الأولى .

17755 - وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : لا يفترقان .

17756 - وهو قول أبي ثور .

17757 - وقال زفر : يفترقان .

17758 - قال أبو عمر : الصحابة - رضي الله عنهم - على قولين في هذه المسألة : أحدهما : يفترقان من حيث أحرما .

17759 - والآخر : يفترقان من حيث أفسدا الحج .

17760 - وليس عن أحد منهم : لا يفترقان .

17761 - واختلف التابعون في ذلك ، فبعضهم قالوا : لا يفترقان .

التالي السابق


الخدمات العلمية