الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
879 [ ص: 316 ] ( 52 ) باب جامع الهدي

834 - مالك ، عن صدقة بن يسار المكي ; أن رجلا من أهل اليمن ، جاء إلى عبد الله بن عمر ، وقد ضفر رأسه . فقال : يا أبا عبد الرحمن . إني قدمت بعمرة مفردة . فقال له عبد الله بن عمر : لو كنت معك ، أو سألتني ، لأمرتك أن تقرن . فقال اليماني : قد كان ذلك . فقال عبد الله بن عمر : خذ ما تطاير من رأسك ، وأهد . فقالت امرأة من أهل العراق : ما هديه يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال : هديه . فقالت له : ما هديه ؟ فقال عبد الله بن عمر : لو لم أجد إلا أن أذبح شاة ، لكان أحب إلي من أن أصوم .


17821 - قال أبو عمر : في هذا الحديث أن للمحرم أن يضفر رأسه إلا أن من ضفر أو لبد أو عقص فعليه الحلاق عند عمر بن الخطاب ، وعند جماعة من العلماء بعده لما في التضفير من وقاية الرأس لأن لا يصل الغبار إلى جلده . 17822 - وفي هذا الحديث دليل على أن القران كان عند ابن عمر أولى من [ ص: 317 ] التمتع ، وقد كان في أول أمره يفضل التمتع ثم رجع إلى هذا ، وقال : ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت مع العمرة الحج . 17823 - وأما قول اليماني ( قد كان ذلك ) أي قد فات القران ; لأنه - والله أعلم - سأله بعد أن طاف وسعى لعمرته ، ولا سبيل إلى القران بعد ذلك ; لأن الحج لا يدخل على العمرة إلا قبل ذلك . 17824 - وأما أمر ابن عمر اليماني بالتقصير وقد ضفر ، فإنما ذلك ، والله أعلم ; لأنه رأى عليه حلق رأسه يوم النحر في حجه الذي تمتع بالعمرة إليه ، فأراد أن لا يحلق في العمرة ليحلق في الحج . 17825 - وأما قوله ( فأهد ) فإنه يريد هدي متعته . 17826 - ثم سئل ( ما الهدي ؟ ) فقال : إن لم أجد إلا شاة لكان أحب إلي من الصوم . 17827 - فهذا يرد رواية من روي عنه : الصيام أحب إلي من الشاة . 17828 - ورواية مالك عن صدقة بن يسار هذه أصح عنه ; لأنه معروف من مذهبه تفضيل إراقة الدماء في الحج على سائر الأعمال . 17829 - ويروى ( ما هديه ) وأما هديه ، وهو الأولى ; لأنه مما يهدى إلى الله عز وجل . 17830 - وعلى نحو هذا قول عبد الله بن مسعود : الصلاة أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية