الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
886 [ ص: 26 ] ( 55 ) باب وقوف من فاته الحج بعرفة

841 - مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة ، قبل أن يطلع الفجر ، فقد فاته الحج . ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة ، من قبل أن يطلع الفجر ، فقد أدرك الحج .

842 - مالك ، عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : من أدركه الفجر من ليلة المزدلفة ، ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر ، فقد أدرك الحج .


[ ص: 27 ] 17933 - قال أبو عمر : ليلة المزدلفة هي ليلة يوم النحر ، وهي الليلة التي يبيتون فيها بالمزدلفة بعد أن يأتوها من عرفة فيجمعون فيها بين المغرب والعشاء ، ويبيتون بها ويصلون الصبح ، ثم يدفعون منها إلى منى ، وذلك يوم النحر .

17934 - وهذا الذي ذكره مالك عن ابن عمر ، وعروة هو قول جماعة أهل العلم قديما وحديثا لا يختلفون .

17935 - وقد روي به أثر مسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يروه أحد من الصحابة إلا رجلا يدعى عبد الرحمن بن يعمر الديلي .

17936 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال : حدثني حمزة بن محمد قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم قال : حدثني وكيع قال : حدثني سفيان - يعني الثوري - عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحج عرفة من [ ص: 28 ] أدركها قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه " .

17937 - ورواه ابن عيينة ، عن بكير ، عن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي : قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك ، وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " .

17938 - قال أبو عمر : لم تختلف الآثار ، ولا اختلف العلماء في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة ، ثم ارتفع فوقف بجبالها داعيا إلى الله - تعالى - ووقف معه كل من حضره إلى غروب الشمس ، وأنه لما استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منه إلى المزدلفة .

[ ص: 29 ] 17939 - وأجمعوا على أنه كذلك سنة الوقوف بعرفة والعمل بها .

17940 - وأجمعوا على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه قبل الزوال ، وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك أقل وقوف قبل الفجر فقد فاته الحج .

17941 - ثم اختلفوا فيما على من وقف في عرفة بعد الزوال مع الإمام ، ثم دفع منها قبل غروب الشمس

17942 - فقال مالك : إن دفع منها قبل أن تغيب الشمس فعليه الحج قابلا ، وإن دفع منها بعد غروب الشمس قبل الإمام فلا شيء عليه .

17943 - وعند مالك أن من دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم عاد إليها قبل الفجر أنه لا دم عليه .

17944 - وقال سائر العلماء : من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام ، وإن دفع قبل غروب الشمس إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم عليه إن رجع فوقف ليلا .

17945 - فقال الشافعي : إن عاد إلى عرفة حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه ، وإن لم يرجع حتى يطلع الفجر أجزأت حجته وأهراق دما .

[ ص: 30 ] 17946 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري : إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس أجزأه حجه ، وكان عليه لتركه الوقوف إلى غروب الشمس دم . وإن دفع بعد غروب الشمس لم يسقط عنه الدم .

17947 - وكذلك قال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود مثل قول الشافعي .

17948 - وبه قال الطبري .

17949 - وهو قول عطاء وعامة العلماء في الدم وتمام الحج .

17950 - إلا أن الحسن البصري ، وابن جريج قالا : لا يجزئه إلا بدنة .

17951 - قال أبو عمر : الحجة لهم في ذلك حديث عروة بن مضرس الطائي ، وهو حديث ثابت صحيح رواه جماعة من أصحاب الشعبي الثقات ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس ، منهم : إسماعيل بن أبي خالد ، وداود بن أبي هند ، وزكريا بن أبي زائدة ، ومطرف .

17952 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني حمزة بن محمد قال : حدثني أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال : حدثني خالد ، عن شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بجمع ، [ ص: 31 ] فقلت : " هل لي من حج ؟ فقال : من صلى معنا هذه الصلاة ، ومن وقف معنا هذا الموقف حتى نفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " .

17953 - حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني أحمد بن زهير قال : حدثني أبو نعيم قال : حدثني زكريا بن أبي زائدة ، عن عامر قال : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام : أنه حج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يدرك الناس إلا ليلا وهو بجمع ، فانطلق إلى عرفات ليلا فأفاض منها ثم رجع إلى جمع ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله : أعملت نفسي وأنصبت راحلتي فهل لي من حج ، فقال : من صلى معنا الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه .

[ ص: 32 ] 17954 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن بكر قال : [ ص: 33 ] حدثني أبو داود قال : حدثني مسدد قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل قال : حدثني عامر قال : أخبرني عروة بن مضرس الطائي ، قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف - يعني بجمع - فقلت : جئت يا رسول الله من جبلي طيئ ، أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات من قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " .

17955 - قال أبو عمر : هذا الحديث يقضي بأن من لم يأت عرفات ، ولم يفض منها ليلا أو نهارا فلا حج له ، ومن أفاض منها ليلا أو نهارا فقد تم حجه .

17956 - وأجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث " نهارا " لم يرد به ما قبل الزوال ، فكان ذلك بيانا شافيا .

17957 - وقال إسماعيل بن إسحاق : إنما في حديث عروة بن مضرس إعلام منه - صلى الله عليه وسلم - لا يضره إن فاته ، لأنه لما قيل : ليلا أو نهارا ، والسائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل ، فأعلم أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره ، وأنه قد تم حجه لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل .

[ ص: 34 ] 17958 - قال : ولو حمل هذا الحديث على ظاهره كان من لم يدرك الصلاة بجمع قد فاته الحج .

17959 - وقال أبو الفرج : معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس وقد أفاض قبل ذلك من عرفة ليلا أو نهارا أراد - والله أعلم - : ليلا أو نهارا وليلا ، فسكت عن أن يقول : وليلا ؛ لعلمه بما قدم من فعله لأنه وقف نهارا وأخذ من الليل فكأنه أراد بذكر النهار اتصال الليل به .

17960 - قال : وقد يحتمل أن يكون قوله ليلا أو نهارا في معنى ليلا ونهارا فتكون " أو " بمعنى الواو .

17961 - قال أبو عمر : لو كان كما ذكر لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا ولم يغن أحدهما ، وهذا لا يقوله أحد ، وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلا يجزئ عن الوقوف بالنهار ، إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكن مراهقا ولم يكن له عذر فهو مسيء . ومن أهل العلم من رأى عليه دما ، ومنهم من لم ير شيئا عليه .

17962 - وجماعة العلماء يقولون : إن من وقف بعرفة ليلا أو نهارا بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج إلا مالك بن أنس ، فإنه انفرد بقوله [ ص: 35 ] الذي ذكرناه عنه ، ويدل على أن مذهبه والفرض عنده الوقوف بالليل دون النهار وعند سائر العلماء الليل والنهار في ذلك سواء ، إذا كان بعد الزوال .

17963 - والسنة أن يقف كما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهارا يتصل له بالليل .

17964 - ولا خلاف بين العلماء أن الوقوف بعرفة فرض على ما ذكرنا من تنازعهم في الوقت المفترض .

17965 - وأما قوله في حديث عروة بن مضرس : " من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح - بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا " فإن ظاهر هذا اللفظ يوجب أن مشاهدة المشعر الحرام وإدراك الصلاة فيه من فرض الحج .

17966 - وقد اختلف العلماء في ذلك .

17967 - فكان علقمة بن قيس ، وعامر الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، وروى ذلك عن ابن الزبير ، وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا : من لم ينزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة .

17968 - وروي عن الثوري مثل ذلك : والأصح عنه أن الوقوف بها [ ص: 36 ] سنة مؤكدة .

17969 - وقال حماد بن أبي سليمان : من فاتته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ، ثم ليحج قابلا .

17970 - وحجة من قال بهذا القول ظاهر قول الله - عز وجل - فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] .

17971 - وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك جمعا وكان قد أدرك قبل ذلك عرفات فقد أدرك " .

17972 - وقال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق : الوقوف بالمزدلفة من سنن الحج المؤكدة ، وليس من فروضها .

[ ص: 37 ] 17973 - وتفصيل أقوالهم في ذلك أن مالكا قال : من لم ينخ بالمزدلفة ولم ينزل فيها وتقدم إلى منى ورمى الجمرة فإنه يهريق دما ، فإن نزل بها ، ثم دفع منها في أول الليل أو وسطه أو آخره ، وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأ ، ولا دم عليه .

17974 - وقال الثوري : من لم يقف بجمع ولم ينزل منها ليلة النحر فعليه دم .

17975 - وهو قول عطاء في رواية ، وقول الزهري وقتادة ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

17976 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا ترك الوقوف بالمزدلفة فلم يقف بها ، ولم يمر بها ، ولم يبت بها فعليه دم .

17977 - قالوا : إن بات بها وتعجل في الليل رجع إذا كان خروجه من غير عذر حتى يقف مع الإمام أو يصبح بها فإن لم يفعل فعليه دم .

17978 - قالوا : وإن كان مريضا أو ضعيفا أو غلاما صغيرا فتقدموا بالليل من المزدلفة فلا شيء عليهم .

17979 - وقال الشافعي : إن نزل بالمزدلفة وخرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه ، وإن خرج قبل نصف الليل ولم يعد إليها ليقف بها مع الإمام ولم يصبح فعليه شاة .

[ ص: 38 ] 17980 - قال : وإنما حددنا نصف الليل لأنه بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لضعفة أهله أن يرحلوا من آخر الليل ، ورخص لهم في أن لا يصبحوا بها ولا يقفوا مع الإمام ، والفرض على الضعيف والقوي سواء ولكنه ناظر لموضع الفضل وتعليم الناس ، وقدم ضعفة أهله لأنه كان مباحا لهم .

17981 - قال وما كان من نصف الليل فهو من آخر الليل .

17982 - وروي عن عطاء أنه إن لم ينزل بجمع فعليه دم ، وإن نزل بها ثم ارتحل بليل فلا شيء عليه .

17983 - رواه عنه ابن جريج ، وهو الصحيح عنه .

17984 - وكان عبد الله بن عمر يقول : إنما جمع منزل تذبح فيه إذا جئت .

17985 - قال أبو عمر : لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس : " من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح - بجمع ، وصح [ ص: 39 ] عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم ضعفة أهله ليلا ، ولم يشهدوا معه تلك الصلاة ودل على أنه موضع الاختيار .

17986 - وقد أجمعوا على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها قبل الصبح أن حجه تام ، وكذلك من بات بها ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام .

17987 - فلو كان حضور الصلاة معه - عليه السلام - من صلب الحج وفرائضه ما أجزأه ، فلم يبق إلا أن مشاهدة الصلاة بجمع سنة حسنة ، وسنن الحج تجبر بالدم إذا لم يفعلها من عليه فعلها .

17988 - وأما احتجاجهم بقول الله - عز وجل - فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] ، وقولهم إن هذه الآية تدل على أن عرفات والمزدلفة جميعا من فروض الحج فليس بشيء ؛ لأن الإجماع منعقد على أنه لو وقف بالمزدلفة أو بات فيها بعض الليل ولم يذكر الله على أن حجه تام ، فدل على أن الذكر بها مندوب إليه ، وإذا لم يكن الذكر المنصوص عليه من إتمام الحج فالمبيت والوقوف أحرى بذلك إن شاء الله .

17989 - واختلف الفقهاء في الذي يقف بعرفة مغمى عليه ، فقال مالك : إذا أحرم ثم أغمى عليه ووقف به مغمي عليه فحجه تام ولا دم عليه .

[ ص: 40 ] 17990 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

17991 - وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق : من وقف بها مغمى عليه فقد فاته الحج .

17992 - قال الشافعي : عمل الحج ثلاثة أشياء : أن يحرم وهو يعقل ، ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ، ويطوف بالبيت والصفا والمروة وهو يعقل ، ولا يجزئ عنه هذه الثلاثة إلا وهو يعقل .

17993 - واختلفوا في الرجل يمر بعرفة ليلة النحر وهو لا يعلم أنها عرفة ، فقالت طائفة : يجزئه .

17994 - حكى أبو ثور هذا القول عن مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي .

17995 - وقال أبو ثور : وفيه قول آخر أنه لا يجزئه وذلك أنه لا يكون واقفا إلا بإرادة .

[ ص: 41 ] 17996 - قال أبو عمر : مستحيل أن يتأدى الفرض عمن لم يقصد إليه ، ولا علمه ، والمغمى عليه ذاهب العقل غير مخاطب ، والله - تعالى - إنما أمر عباده أن يعبدوه مخلصين له ، والإخلاص القصد بالنية إلى أداء ما افترض عليه ، ويؤكد هذا قوله - عليه السلام - : " إنما الأعمال بالنيات . . " .

[ ص: 42 ] 17997 - واختلفوا في جماعة أهل الموسم يخطئون العدد فيقفون بعرفة في غير يوم عرفة على ثلاث أقوال :

17998 - ( أحدها ) : أنه إن وقفوا قبل لم يجزهم ، وإن وقفوا بعد أجزأهم .

17999 - ( والثاني ) : أنه يجزيهم الوقوف قبل وبعد على حسب اجتهادهم .

18000 - ( والثالث ) : أنه لا يجزيهم الوقوف قبل ولا بعد .

18001 - وروي عن عطاء ، والحسن أنه يجزئهم قبل وبعد .

18002 - وبه قال أبو حنيفة .

18003 - واختلف أصحاب الشافعي فبعضهم قال : يجزئهم بعد ، ولا يجزئهم قبل قياسا على الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم رمضان فيجزئه بعد ولا يجزئه قبل .

18004 - وهو قول مالك .

18005 - وقال بعض أصحاب الشافعي : يجزئهم قبل وبعد قياسا على القبلة .

18006 - وأبو ثور وداود لا يجيزان الوقوف لا قبل ولا بعد .

[ ص: 43 ] 18007 - وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم قال : إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على أملهم ، وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده وينحرون من الغد ويعملون عمل الحج ولا يتركوا الوقوف بعرفة من أجل أنه يوم النحر ، ولا ينفضوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ، ويجعلون يوم النحر بالغد بعد وقوفهم ويكون حالهم في ميقاتهم كحال من لم يخطئ .

18008 - قال : وإذا أخطؤوا بعد أن وقفوا بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه ولم يجزهم الوقوف يوم التروية .

18009 - وقال سحنون : اختلف قول ابن القاسم فيمن وقف يوم التروية .

18010 - وقال يحيى بن عمر : اختلف فيه قول سحنون أيضا .

[ ص: 44 ] 18011 - قال يحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس . . . . وهروبهم من عرفة ولم يعد الوقوف ؟ قال : يجزئهم ولا دم عليهم .

18012 - قال أبو عمر : إنما هذا في جماعة أهل الموسم وأهل البلد يغلطون في الهلال ، وأما المنفرد فلا مدخل له في هذا الباب ، وإذا أخطأ العدد في أيام العشر لزمه إذا لم يدرك الوقوف بعرفة من ليلة النحر ما يلزم من فاته الحج ، واجتهاده في ذلك كله اجتهاد .

18013 - وكذلك من أخطأ وحده من بين أهل مصره في هلال رمضان وشوال وذي الحجة ، وقد مضى القول في ذلك المنفرد في موضعه .

18014 - وأما الجماعة فاجتهادهم سائغ ، والحرج عنهم ساقط لقوله - عليه السلام - : " أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون " فأجاز الجميع اجتهادهم ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية