الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
889 [ ص: 48 ] [ ص: 49 ] [ ص: 50 ] ( 56 ) باب تقديم النساء والصبيان

843 - مالك ، عن نافع ، عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى ، حتى يصلوا الصبح بمنى . ويرموا قبل أن يأتي الناس .

844 - مالك ، عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر أخبرته قالت : جئنا مع أسماء ابنة أبي بكر منى بغلس . قالت فقلت لها : لقد جئنا منى بغلس فقالت : قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك .

[ ص: 51 ] 845 - مالك أنه بلغه : أن طلحة بن عبيد كان يقدم نساءه وصبيانه من المزدلفة إلى منى .

846 - مالك أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر . ومن رمى فقد حل له النحر .

847 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر أخبرته : أنها كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة . تأمر الذي يصلي لها ولأصحابها الصبح ، يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر . ثم تركب فتسير إلى منى . ولا تقف .


18029 - قال أبو عمر : جملة القول في هذا الباب أن حديثه عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر - الحديث الأول - إنما أخذ ابن عمر فعله ذلك من السنة التي رواها هو وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

18030 - ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لضعفاء الناس من جمع بليل .

18031 - قال : وأخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم : أن ابن عمر كان يقدم ضعفة أهله يقفون عند المشعر الحرام بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، يدفعون منهم من يأتي منى لصلاة الصبح ، ومنهم من يأتي بعد ذلك وأولهم [ ص: 52 ] ضعفاء أهله ، ويقول : أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .

18032 - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع قال : بعثني ابن عمر في ضعفة أهله فرمينا الجمرة قبل أن يأتينا الناس .

18033 - قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت ممن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ضعفة أهله في التعجل من المزدلفة إلى منى .

18034 - وروي عن عطاء ، وعكرمة ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره في ضعفة بني هاشم وصبيانهم أن يتعجلوا من جمع بليل .

[ ص: 53 ] 18035 - قال أبو عمر : المبيت بجمع ليلة النحر سنة مسنونة مجتمع عليها ، إلا أن هذه الأحاديث وما كان مثلها يدل على أن ذلك إنما هو في أكثر الليل ، وأنه قد رخص أن لا يصبح البائت فيها وأن له أن يصبح بمنى ، على أن الفضل عند الجميع المبيت بها حتى يصلي الصبح ، ثم يرفع قبل طلوع الشمس لا يختلفون في ذلك ولا في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل كذلك .

18036 - ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم ، وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها .

18037 - وقد قالت طائفة منهم مجاهد : أنه من أفاض من جمع قبل الإمام - وإن بات بها - أن عليه دما .

18038 - قال أبو عمر : أظنهم لم يسمعوا بهذه الآثار ، والله أعلم .

18039 - وروى معمر ، عن أيوب ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن [ ص: 54 ] أبيه ، عن عائشة ، قالت : كانت سودة بنت زمعة امرأة ثقيلة ثبطة فأستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن تدلج من جمع ، فأذن لها . قالت عائشة : وددت أني كنت استأذنته .

18040 - وكانت تقول : ليس الإدلاج من المزدلفة إلا لمن أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 18041 - ومعمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : المشعر الحرام المزدلفة كلها .

18042 - وروى الثوري ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء قال : الرحيل [ ص: 55 ] من جمع إذا غاب القمر .

18043 - قال أبو عمر : مغيبه ليلة النحر معلوم .

18044 - وابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وعن أبي العباس الأعمى ، عن عبد الله بن عمرو قال : إنما جمع منزل تدلج منه إذا شئت .

18045 - قال معمر : وأخبرني هشام بن عروة ، عن أبيه قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة أن تصبح بمكة يوم النحر ، وكان يومها .

18046 - قال أبو عمر : اختلف على هشام في هذا الحديث فروته طائفة عن هشام ، عن أبيه مرسلا كما رواه معمر .

18047 - ورواه آخرون عن هشام ، عن أبيه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أم سلمة بذلك ، مسندا .

18048 - ورواه آخرون ، عن هشام ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، [ ص: 56 ] عن أم سلمة أيضا .

18049 - وكلهم ثقات من رواة هشام .

18050 - وهذا الحديث خلاف لسائر الأحاديث ؛ لأن في غيره من الأحاديث الإدلاج من جمع إلى منى ، وصلاة الصبح بها ، وأقصى ما في ذلك رمي الجمرة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر . [ ص: 57 ] 18051 - ويدل حديث أم سلمة على أن رمي الجمرة بمنى قبل الفجر ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تصبح بمكة يوم النحر ، وهذا لا يكون إلا وقد رميت الجمرة بمنى ليلا قبل الفجر ، والله أعلم .

18052 - وأجمع العلماء على أن النبي ( عليه السلام ) وقف بالمشعر الحرام بعدما صلى الفجر ، ثم دفع قبل طلوع الشمس .

[ ص: 58 ] 18053 - ونقل ذلك أيضا الآحاد العدول .

18054 - أخبرنا عبد الله قال : حدثني محمد قال : حدثني أبو داود قال : حدثني محمد بن كثير قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال : قال عمر : كان أهل الجاهلية لا يفيضون - يعني من جمع - حتى يروا الشمس على ثبير . قال فخالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفع قبل طلوع الشمس .

18055 - وروى ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، وعن ابن طاوس ، عن أبيه : أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة [ ص: 59 ] قبل غروب الشمس . وكانوا يدفعون من المزدلفة قبل طلوع الشمس ، فأخر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هذا وعجل هذا : أخر الدفع من عرفة ، وعجل الدفع من المزدلفة مخالفا لهذا هدي المشركين .

18056 - وأجمعوا أن الشمس إذا طلعت يوم النحر فقد فات وقت الوقوف بجمع ، وأن من أدرك الوقوف بها قبل طلوع الشمس فقد أدرك . فمن قال إنها فرض ، ومن يقول : إنها سنة . وقد أوضحنا ذلك فيما مضى ، والحمد لله .

18057 - وأجمعوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى يوم النحر في حجته : جمرة العقبة بمنى يوم النحر بعد طلوع الشمس .

18058 - وأجمعوا على أن من رماها ذلك اليوم بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها .

18059 - وأجمعوا أن رسول الله - صلى عليه وسلم - لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها .

18060 - واختلفوا فيمن رماها قبل طلوع الفجر .

[ ص: 60 ] 18061 - فقال : لم يبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لأحد يرمي قبل أن يطلع الفجر ، ولا يجوز رميها قبل الفجر ، فإن رماها قبل الفجر أعادها .

18062 - وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز رميها قبل الفجر .

18063 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

18064 - وقال الشافعي : وقت رمي جمرة العقبة الذي أحبه بعد طلوع الشمس ، ولا أكرهه قبل الفجر .

18065 - وهو قول عطاء وعكرمة .

18066 - وقال سفيان الثوري : لا يجوز لأحد أن يرمي قبل طلوع الشمس .

18067 - وهو قول إبراهيم النخعي .

18068 - وقال أبو ثور : لا يجوز الرمي حتى تطلع الشمس إن كان فيه خلاف وأجمعوا ، أو كانت فيه سنة أجزأه .

[ ص: 61 ] 18069 - قال أبو عمر : أما قول الثوري ومن تابعه فحجته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة بعد طلوع الشمس ، وقال : " خذوا عني مناسككم " .

18070 - وروى الحسن العرني ، وعطاء ، ومقسم ، كلهم عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم أغيلمة بني عبد المطلب وضعفتهم ، وقال لهم : " أبيني ، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " .

[ ص: 62 ] 18071 - أخبرنا سعيد قال : حدثني قاسم قال : حدثني محمد قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن المسعودي ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله ، وقال : " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " .

18072 - ومن أجاز رميها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فقد تقدم في الباب من الآثار ما يدل على ذلك .

18073 - ومن حديث ابن أبي ذئب قال : حدثني سعيد ، عن ابن عباس ، قال : بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله وأمرني أن أرمي الجمرة بعد الفجر .

18074 - وأما من جوز رميها قبل الفجر فحجته حديث أم سلمة المتقدم ذكره .

18075 - حدثني عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثني أبو داود قال : حدثني هارون بن عبد الله قال : حدثني ابن أبي فديك ، [ ص: 63 ] عن الضحاك بن عثمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت ، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني عندها .

18076 - وأخبرنا أحمد بن محمد قال : حدثني أحمد بن الفضل قال : حدثني محمد بن جرير ، قال : حدثني أبو كريب قال : حدثني أبو معاوية ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن توافي مكة صلاة الصبح يوم النحر .

18077 - قالوا : فلم تكن لتوافي مكة لصلاة الصبح يوم النحر للطواف إلا وقد رمت الجمرة بليل قبل ذلك .

18078 - وأخبرنا عبد الله قال : حدثني محمد قال : حدثني أبو داود قال : حدثني محمد بن خلاد الباهلي قال : حدثني يحيى ، عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : أخبرني مخبر ، عن أسماء أنها رمت الجمرة . قلت : إنا رمينا الجمرة بليل . قالت : إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 64 ] 18079 - وقد عارض بعض أصحابنا هذا الحديث عن أسماء بحديث مالك في حديث هذا الباب عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر أنها كانت ترى أسماء بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها الصبح ولأصحابها يصلي لهم حين يطلع الفجر ، ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف .

18080 - وهذا لا معارضة فيه ، ولا يدفع بحديث أسماء المسند لأنه مباح لأسماء ولغيرها أن يفعل ما في حديث مالك هذا ، بل هو الأفضل المستحب عند الجميع .

18081 - وأما الكلام فيمن فعل ذلك ورمى بليل فإنما يكون معارضا لو كانت الحجة لهم واحدة .

18082 - واختلفت الحكاية ، عن أسماء فيها ، فأما إذا جاز أن تكون حجتين وأمكن ذلك فلا معارضة هنالك ، وبالله التوفيق .

18083 - وأجمعوا على أن الاختيار في رمي جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى زوالها .

18084 - وأجمعوا أنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد جزا عنه ، ولا شيء عليه إلا مالكا فإنه قال : أستحب له إن ترك رمي الجمرة حتى أمسى أن يهريق دما يجيء به من الحل .

[ ص: 65 ] 18085 - واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد .

18086 - فقال مالك : عليه دم .

18087 - وقال أبو حنيفة : إن رماها من الليل فلا شيء عليه ، وإن أخرها إلى الغد فعليه دم .

18088 - وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي : إن رمى جمرة العقبة إلى الليل أو إلى الغد رمى ولا شيء عليه .

18089 - وهو قول أبي ثور .

18090 - وحجتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لرعاء الإبل في مثل ذلك وما كان ليرخص لهم فيما لا يجوز .

18091 - وفي حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت للرمي وقتا وهو يوم النحر ، فمن رمى بعد غروب الشمس فقد رماها بعد خروجها ، ومن فعل شيئا في الحج بعد وقته فعليه دم .

التالي السابق


الخدمات العلمية