الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 73 ] ( 58 ) باب ما جاء في النحر في الحج

850 - مالك أنه بلغه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بمنى : " هذا المنحر وكل منى منحر " وقال في العمرة " هذا المنحر " يعني المروة " [ ص: 74 ] وكل فجاج مكة وطرقها منحر " .


18111 - قال أبو عمر : هذا الحديث يستند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث علي بن أبي طالب ، وحديث جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) ، وقد ذكرنا طرقها في التمهيد .

18112 - حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثني أبو الطيب وجيه بن الحسن بن يوسف قال : حدثني بكار بن قتيبة القاضي قال : حدثني عبد الله بن الزبير الحميدي قال : حدثني سفيان ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب قال : وقف رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بعرفة ، فقال : " هذه عرفة ، وهذا الموقف ، وعرفة كلها موقف " ثم أفاض حين غربت الشمس ، فأردف أسامة ، [ ص: 75 ] وجعل يسير على هيئته ، والناس يضربون يمينا وشمالا ، وهو يقول : " يا أيها الناس عليكم السكينة ، ثم أتى جمعا فصلى بها الصلاتين جميعا ، فلما أصبح أتى قزح ، فقال : " هذا قزح وهذا الموقف ، وجمع كلها موقف " ثم أفاض حين غربت الشمس ، فلما انتهي إلى وادي محسر قرع ناقته حتى جاز الوادي ، ثم أردف الفضل ، ثم أتى الجمرة ، فرماها ، ثم أتى المنحر بمنى ، فقال : " هذا المنحر ، ومنى كلها منحر " فاستقبلته جارية من خثعم شابة ، فقالت أبي شيخ كبير . . . وذكر الحديث .

18113 - وفي حديث جابر أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بدنة بمنى ، وقال : " هذا المنحر ، وكلها منحر " .

18114 - قال أبو عمر : المنحر في الحج بمنى إجماع من العلماء ، وأما العمرة فلا طريق لمنى فيها ، فمن أراد أن ينحر في عمرته ، وساق هديا تطوع به نحره بمكة حيث شاء منها .

18115 - وهذا إجماع أيضا لا خلاف فيه يغني عن الاستدلال والاستشهاد فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ، ومن لم يفعل ونحر في غيرهما فقد اختلف العلماء في ذلك .

[ ص: 76 ] 18116 - فذهب مالك إلى أن المنحر لا يكون في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة ، ومن نحر في غيرهما لم يجزه ومن نحر في أحد الموضعين في الحج أو العمرة أجزأه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلهما موضعا للنحر ، وخصهما بذلك .

18117 - وقال الله - تعالى - هديا بالغ الكعبة [ المائدة 95 ]

18118 - قال أبو عمر : قد تقدم معنى قوله هديا بالغ الكعبة وأن العلماء في ذلك على قولين : 18119 - ( أحدهما ) : أنه أريد بذكر الكعبة حضرة مكة كلها ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : " طرق مكة وفجاجها كلها منحر " . 18120 - ( والقول الثاني ) : أنه أراد الحرم ، وقد أجمعوا أنه لا يجوز الذبح في المسجد الحرام ولا في الكعبة ، فدل على أن اللفظ ليس على ظاهره .

18121 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : إن نحر في غير مكة من الحرم أجزأه .

18122 - قال : وإنما يريد بذلك مساكين الحرم ومساكين مكة .

18123 - وقد أجمعوا أنه من نحر في غير الحرم ولم يكن محصرا أنه لا يجزئه .

التالي السابق


الخدمات العلمية