الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
91 [ ص: 25 ] 15 - باب الوضوء من مس الفرج

78 - مالك : عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [ ص: 26 ] ؛ أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم ، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء . فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء . فقال عروة : ما علمت هذا . فقال مروان بن الحكم : أخبرتني بسرة بنت صفوان ، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " .


2519 - قد ذكرنا بسرة والاختلاف في نسبها في كتاب الصحابة وفي [ ص: 27 ] التمهيد أيضا .

2520 - وذكرنا في التمهيد ما وقع عندي في نسخة عبيد الله بن يحيى ، عن أبيه من الوهم في إسناد هذا الحديث .

2521 - وذكرنا الاختلاف فيه على عروة وعلى هشام وعلى ابن شهاب .

2522 - وذكرنا ما يصح من ذلك في حديث بسرة ، وأنه لا يصح فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما في " الموطأ " من رواية مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، سمع عروة ، سمع مروان ، سمع بسرة ، سمعت النبي عليه السلام .

2523 - وقد وهم فيه ابن وهب فذكره في موطئه قال : أخبرني مالك وابن لهيعة وعمرو بن الحارث ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عروة بن الزبير ، عن بسرة ، وهذا خطأ على مالك .

2524 - وقد أوضحنا علل ذلك في التمهيد ، ونذكرها هنا عيونا كافية إن شاء الله .

2525 - حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا محمد بن زكريا بن يحيى بن المقدسي ببيت المقدس ، قال : حدثنا مضر بن محمد ، قال : سألت يحيى بن معين : أي حديث يصح في مس الذكر ؟ فقال يحيى : لولا حديث جاء عن عبد الله بن [ ص: 28 ] أبي بكر لقلت : لا يصح فيه شيء ، فإن مالكا يقول : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، قال : حدثنا عروة ، قال : حدثنا مروان ، قال : حدثتني بسرة .

2526 - فهذا يحيى بن معين موضعه من هذا الشأن الموضع المعلوم ، وقد صحح حديث بسرة من رواية مالك ، وكان يقول : بالوضوء من مس الذكر لذلك .

2527 - ومن قال في حديث بسرة : إنه عن حرسي ، جاهل - متعسف لا يدري ، وذلك أنه اعتل بعلة لو تدبرها أمسك عنها .

2528 - ذكر سفيان بن عيينة ، قال حدثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : تذاكر أبي وعروة ما يتوضأ منه ، فقال عروة : في مس الذكر الوضوء . فقال أبي : إن هذا لشيء ما سمعته . فقال عروة : بلى .

2529 - أخبرني مروان بن الحكم قال : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من مس ذكره فليتوضأ " فقلت : إني أشتهي أن ترسل - وأنا شاهد - رجلا أو قال : حرسيا إلى بسرة فأرسل ، فجاء الرسول من عندها بذلك .

[ ص: 29 ] 2530 - وحديث شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي بكر : أنه سمع عروة بن الزبير يقول : ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده . فأنكرت ذلك ، وقلت : لا وضوء على من مسه . فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان : أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء من مس الذكر . قال عروة : فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه ، فأرسله إلى بسرة فسألها ، فأخبرته بمثل الذي حدثني به عنها مروان .

2531 - وهذان الحديثان قد ذكرتهما في التمهيد بأسانيدهما ، وفيهما سماع عروة من مروان ، وسماع مروان من بسرة .

2532 - وإرسال من أرسلا إلى بسرة - حرسيا كان أو شرطيا - لا يقدح فيما صح من سماع مروان له من بسرة ، بل يزيده قوة .

2533 - وهذا ما لا خفاء به على من له أدنى علم ومعرفة . فهذا هو الصحيح في حديث بسرة ، وعروة عن مروان عن بسرة سماعا وكل من خالف ذلك فقد أخطأ فيه .

2534 - والاختلاف فيه كثير على هشام ، وعلى ابن شهاب . والصحيح فيه ما ذكره ابن معين وغيره على ما وصفت لك والرواية الصحيحة عن ابن شهاب مثل رواية مالك ، قد تقدمت من حديث ابن عيينة عن ابن شهاب .

2535 - وكذلك رواه عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب .

2536 - وكذلك رواه الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يحدث عن مروان : أن بسرة أخبرته .

[ ص: 30 ] 2537 - وفي رواية ابن شهاب هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر ما يدخل في رواية الكبار عن الصغار ، وبالله التوفيق .

2538 - وقد كان أحمد بن حنبل يصحح حديث بسرة في مس الذكر أيضا ، ويفتي به ويقول : وحديث أم حبيبة أيضا في مس الذكر لا أدفعه .

2539 - ذكر أبو علي سعيد بن السكن الحافظ ، قال : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث بسرة ويختاره .

2540 - قال : وصحح حديث أم حبيبة أيضا .

2541 - قال ابن السكن : ولا أعلم في حديث أم حبيبة علة إلا أنه قيل : إن مكحولا لم يسمعه من عتبة بن أبي سفيان .

2542 - قال أبو عمر : حديث أم حبيبة حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نضر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا المعلى بن المنصور ، قال : حدثنا الهيثم بن حميد : قال : حدثنا يعلى ، عن مكحول ، عن عتبة بن أبي سفيان ، عن أم حبيبة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من مس ذكره فليتوضأ " .

2543 - وذكر أبو زرعة قال : كان أحمد بن حنبل يعجبه حديث أم حبيبة في مس الذكر ، ويقول : هو حسن الإسناد .

2544 - فهذان إماما أهل الحديث قد قضيا بتصحيح حديث بسرة فصححاه .

[ ص: 31 ] 2545 - ثم قال : إنه ناسخ لحديث طلق بن علي ؛ لأن طلق بن علي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبني المسجد ، ثم رجع إلى بلاد قومه . وإسلام بسرة بنت صفوان إنما كان عام الفتح ، وحفظها متأخر عن تاريخ حديث طلق بن علي .

2546 - وقد صحح ابن السكن في هذا الباب أيضا حديث أبي هريرة .

2547 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج ، قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان البزاز ، قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، قال حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم ، قال حدثني نافع بن أبي نعيم ، ويزيد بن عبد الملك بن المغيرة ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونه حجاب فقد وجب عليه الوضوء " .

2548 - قال ابن السكن : هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب لرواية ابن القاسم صاحب مالك ، عن نافع بن أبي نعيم . وأما يزيد فضعيف والله أعلم .

[ ص: 32 ] 2549 - قال أبو عمر : كان حديث أبي هريرة هذا لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك هذا حتى رواه أصبغ بن الفرج ، عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ، وزيد بن عبد الملك النوفلي جميعا ، عن ابن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة .

2550 - وأصبغ وابن القاسم ثقتان فقيهان ، فصح الحديث بنقل العدل على ما ذكر ابن السكن .

2551 - إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى عن نافع بن أبي نعيم القاري . وخالفه ابن معين فيه ، فقال : هو ثقة . وقال أحمد بن حنبل : هو ضعيف منكر الحديث .

2552 - وروى سحنون هذا الحديث عن ابن القاسم ، فلم يذكر فيه نافع بن أبي نعيم .

2553 - وأما الصحابة القائلون بإيجاب الوضوء من مس الذكر : فعمر بن الخطاب ، وابن عمر ، وأبو هريرة - على اختلاف عنه - والبراء بن عازب ، وزيد بن خالد الجهني ، وجابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، في رواية أهل المدينة عنه .

2554 - ومن التابعين : سعيد بن المسيب في رواية عبد الرحمن بن حرملة عنه ، رواه ابن أبي ذئب ، وحاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة عن [ ص: 33 ] سعيد بن المسيب : أن الوضوء واجب على من مس ذكره .

2555 - وروى ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب : أنه كان لا يرى في مس الذكر شيئا .

2556 - ومعمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان يراه كبعض جسد ولا يتوضأ منه .

2557 - وهذا أصح عندي من حديث عبد الرحمن بن حرملة ؛ لأنه ليس بالحافظ ، وقتادة حافظ . وقد تابعه الحارث بن عبد الرحمن .

2558 - وكان عطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وأبان بن عثمان ، وابن شهاب ، ومجاهد ، ومحكول ، وجابر بن زيد ، والشعبي ، والحسن ، وعكرمة ، وجماعة أهل الشام والمغرب ، وأكثر أهل الحديث يرون الوضوء من مس الذكر .

2559 - وبه قال الأوزاعي ، والليث بن سعد ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والطبري .

2560 - وفي الموطأ الحديث عن سعد ، وابن عمر ، وعروة .

2561 - وأما سائر الصحابة والتابعين ففي كتاب عبد الرزاق ، وأبي بكر بن أبي شيبة .

2562 - وقال الليث : ومن مس بين أليتيه فعليه الوضوء .

2563 - وقال الشافعي : من مس دبره فعليه الوضوء لأنه فرج .

2564 - وهو قول عطاء ، والزهري وميمون بن مهران ، والرجال والنساء [ ص: 34 ] في ذلك عنده سواء .

2565 - واضطرب قول مالك في إيجاب الوضوء منه ، واختلف مذهبه فيه . والذي تقرر عليه المذهب عند أهل المغرب من أصحابه - أنه من مس ذكره أمره بالوضوء ما لم يصل ، فإن صلى أمره بالإعادة في الوقت ، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه .

2566 - واختلف أصحابه وأتباعه على أربعة أقوال : فمنهم من لم ير على من مس ذكره وضوءا ، ولا على من صلى بعد أن مسه إعادة صلاته في وقت ولا غيره . وممن ذهب إلى هذا سحنون والعتقي .

2567 - ورأى الإعادة في الوقت : ابن القاسم ، وأشهب ، ورواية عن ابن وهب .

2568 - ومنهم من رأى الوضوء عليه واجبا ، ورأى الإعادة على من صلى بعد أن مسه الوقت وبعده ، منهم : أصبغ بن الفرج ، وعيسى بن دينار . وهو مذهب ابن عمر ؛ لأنه أعاد منه صلاة الصبح بعد طلوع الشمس ، وهو قول الشافعي .

2569 - وأما إسماعيل بن إسحاق وأصحابه البغداديين المالكيون كابن بكير ، وابن المنتاب ، وأبي الفرج ، والأبهري - فإنهم اعتبروا في مسه وجود اللذة كملامس النساء عندهم . فإن التذ الذي لمس ذكره وجب عليه الوضوء ، وإن صلى - وقد مسه - قبل أن يتوضأ أعاد الصلاة أبدا ، وإن خرج الوقت . [ ص: 35 ] وإن لم يلتذ بمسه فلا شيء عليه . وهذا قول رابع . ومن ذهب إلى هذا سوى بين باطن الكف وظاهرها .

2570 - واختلفوا فيمن مسه ناسيا ، وعلى ثوب خفيف ، أو مسه بذراعه أو بظاهر كفه ، أو قصد إلى مسه بشيء ، من أعضائه سوى يده :

2571 - فمنهم من يرى في ذلك كله الوضوء .

2572 - ومنهم من لم ير عليه في ذلك شيئا .

2573 - وتحصيل المذهب عند المالكيين من أهل المغرب أن من مس ذكره بباطن الكف أو الراحة أو بباطن الأصابع دون حائل انتقض وضوءه ، ومن مس ذكره بخلاف ذلك لم ينتقض وضوءه .

2574 - وقد روى ابن وهب عن مالك في ذلك روايتين : أحسنهما أنه بباطن كفه انتقض وضوؤه .

2575 - ففرق في ذلك بين العمد والنسيان ، وليس هذا حكم الأحداث . وهذا قول الليث بن سعد وداود بن علي ؛ لأن الحديث ورد فيمن مس ذكره ، أو مس فرجه . ولا يكون ماسا إلا من قصد إلى اللمس ؛ لأن الفاعل حقيقة هو من قصد إلى الفعل أراده .

مس ذكره ناسيا أو على ثوب وإن كان خفيفا فلا شيء عليه . وإن أفضى إليه .

2576 - وقال الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق : خطؤه وعمده سواء كسائر الأحداث .

2577 - قال أبو عمر لا يصح في مس الذكر لمن صحح فيه الأثر إلا [ ص: 36 ] الإعادة في الوقت وبعده لمن مس دون حائل بين يده وبينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية