الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
901 [ ص: 102 ] ( 60 ) باب الحلاق

856 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم ارحم المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله قال : [ ص: 103 ] " اللهم ارحم المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله . قال : [ ص: 104 ] والمقصرين .


18217 - قال أبو عمر : أما حديث ابن عمر هذا فليس فيه ذكر الموضع الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول .

18218 - وهو محفوظ من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، والمسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك يوم الحديبية .

18219 - روى الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم الأنصاري قال : حدثني أبو سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 105 ] يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا ، وللمقصرين مرة .

18220 - حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثني أحمد بن عبد الجبار قال : حدثني يونس بن بكير قال : حدثني محمد بن إسحاق بن الزهيري ، عن عروة بن الزبير ، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه . . ، فذكر حديثهما في الحديبية ، قالا : فلما فرغ من الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس قوموا فانحروا وأحلوا " فوالله ما قام رجل لما دخل قلوب الناس من الشر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس انحروا وأحلوا " فوالله ما قام أحد من الناس ، ثم قالها الثالثة فما قام أحد من الناس ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فدخل على أم سلمة فقال : " يا أم سلمة أما ترين إلى الناس آمرهم بالأمر لا يفعلونه ؟ " فقالت : يا رسول الله لا تلمهم فإن الناس قد دخلهم أمر عظيم مما رأوك حملت على نفسك في الصلح ; فاخرج يا رسول الله لا تكلم أحدا من الناس حتى يأتي هديك فتنحر وتحل ; فإن الناس إذا رأوك فعلت ذلك فعلوا كالذي فعلت . فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عندها فلم يكلم أحدا حتى أتى هديه ، فنحر وحلق ، فلما رأى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فعل ذلك ، قاموا ; فنحر من كان معه هدي ، وحلق بعض وقصر بعض ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر للمحلقين " . فقيل : يا رسول الله وللمقصرين ؟ فذكرها ثلاثة ، [ ص: 106 ] وقال في الثالثة : وللمقصرين " .

18221 - وبه عن يونس بن بكير ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم ، عن أبي سعيد الخدري قال : حلق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية كلهم إلا رجلين قصرا ولم يحلقا .

18222 - وبه عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : رحم الله المحلقين " . قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين قال : " رحم الله المحلقين . قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين قال : " والمقصرين " . قالوا : فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال " لم يشكوا " .

18223 - رواه عن ابن إسحاق جماعة أصحابه ، إلا أن أبا إبراهيم [ ص: 107 ] الأنصاري هذا هو الأشهلي ، لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير .

18224 - وروى أبو داود الطيالسي قال : حدثني هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أصحابه حلقوا رءوسهم يوم الحديبية إلا عثمان بن عفان وأبا قتادة فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة .

18225 - وقد ذكرنا هذه الأحاديث بالأسانيد في " التمهيد " .

18226 - وقد أجمع العلماء على أن النساء لا يحلقن وأن سنتهن التقصير ، وقد ثبت أن ذلك كان عام الحديبية ، حين أحصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنع من النهوض إلى البيت ، وقد تقدم ذكر أحكام المحصر في موضعه .

18227 - واختلف الفقهاء ، هل الحلاق نسك يجب على الحاج والمعتمر أم لا ؟ .

18228 - فقال مالك : الحلاق نسك يجب على الحاج المتم لحجه والمعتمر [ ص: 108 ] لعمرته ، وهو أفضل من التقصير ، ويجب على كل من فاته الحج ، أو أحصر بعدو أو مرض .

18229 - وهو قول جماعة الفقهاء إلا في المحصر بعدو هل هو من النسك أم لا ؟ فقد اختلفوا في ذلك :

18230 - وقال أبو حنيفة : المحصر ليس عليه تقصير ولا حلاق .

18231 - وقال أبو يوسف : يقصر ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه .

18232 - وقد روي عن أبي يوسف : أن عليه الحلاق أو التقصير ، لا بد له منه .

18233 - واختلف قول الشافعي هل الحلاق من النسك ؟ أو ليس من النسك ؟ على قولين .

18234 - ( أحدهما ) : الحلاق من النسك .

18235 - ( والآخر ) : الحلاق من الإحلال ؛ لأنه ممنوع منه بالإحرام .

18236 - قال أبو عمر : من جعل الحلاق نسكا أوجب على من تركه دما .

18237 - واختلف قول مالك فيمن أفاض قبل أن يحلق :

18238 - فذكر ابن عبد الحكم قال : ومن أفاض قبل أن يحلق ، [ ص: 109 ] فليحلق ثم ليفض ، فإن لم يفض فلا شيء عليه .

18239 - قال : وقد قال : ينحر ويحلق ولا شيء عليه قال : والأول أحب إلينا .

18240 - وقال ابن حبيب : يعيد الإفاضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية