الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
96 79 - مالك ، عن نافع ، عن سالم بن عبد الله ؛ أنه قال : كنت مع عبد الله بن عمر في سفر ، فرأيته ، بعد أن طلعت الشمس ، توضأ ثم صلى . قال : فقلت له : إن هذه لصلاة ما كنت تصليها . قال إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي . ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت ، وعدت لصلاتي .


2578 - وروى ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أنه صلى بهم بطريق مكة العصر ، قال : فركبنا فسرنا ما قدر لنا أن نسير ، ثم أناخ ابن عمر فتوضأ ، فصلى العصر وحده ، فسلم . فقلت له : صليت معنا العصر . أفنسيت ؟ قال : لم أنس ، ولكن مسست ذكري قبل أن أصلي . فلما ذكرت ذلك توضأت وعدت لصلاتي .

[ ص: 37 ] 2579 - وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا قول ابنه عبد الله بن عمر ، حدثنا قاسم ومحمد بن عبد الله بن حكم ، قالا : حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي ، قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال حدثنا نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن مليكة ، عن عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه ، فأشار إليهم : كما أنتم ، فخرج فتوضأ ، ثم رجع إليهم .

2580 - قال أبو عمر : أما أهل العراق فجمهور علمائهم على أن لا وضوء في مس الذكر ، وعلى ذلك مضى أسلافهم بالكوفة والبصرة .

2581 - وورد ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس ، وأبي الدرداء ، وعمران بن حصين ؟ لم يختلف عن هؤلاء في ذلك .

2582 - واختلف فيه عن أبي هريرة ، وسعد بن أبي وقاص ، فروي عنهما القولان جميعا .

2583 - وبإسقاط الوضوء منه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وسفيان الثوري ، وشريك ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وعبيد الله بن الحسن .

[ ص: 38 ] 2584 - ذكر عبد الرزاق عن الثوري قال : دعاني ، وابن جريج بعض أمرائهم ، فسألنا عن مس الذكر . فقال ابن جريج : يتوضأ من مس الذكر ، وقلت أنا : لا وضوء من مس الذكر . فلما اختلفنا قلت لابن جريج : أرأيت لو أن رجلا وضع يده في مني . قال : يغسل يده . قلت : فأيما أنجس : المني ، أم الذكر ؟ قال : المني . فقلت : فكيف هذا ؟ قال : ما ألقاها على لسانك إلا شيطان ! ! .

2585 - قال أبو عمر : يقول الثوري : إذا لم يجب الوضوء من مس المني - فأحرى ألا يجب من مس الذكر . وإذا لم يجب من النجس فأحرى ألا يجب من الطاهر .

2586 - وإنما ساغت المناظرة في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي - عليه السلام - واختلاف أصحابه - رحمهم الله - ومن بعدهم في ذلك . ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن لسلم الجميع له ، وقال به .

2587 - ومن ذهب مذهب العراقيين في مس الذكر من أهل الحديث ضعف الأحاديث الواردة عن النبي - عليه السلام - في إيجاب الوضوء فيه ، وعللها ، ولم يقبل شيئا منها .

2588 - وقد حكى أبو زرعة عن ابن معين أنه قال : أي إسناد رواية مالك في حديث بسرة لولا أن قاتل طلحة في الطريق ! .

2589 - قال أبو عمر : الحديث المسقط للوضوء من مس الذكر أحسن أسانيده ما رواه مسدد وغيره ، عن ملازم بن عمرو ، عن عبد الله بن زيد ، عن قيس بن طلق بن علي قال : قدمنا على النبي - عليه السلام - فجاءه رجل [ ص: 39 ] كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ ؟ فقال : " وهل هو إلا بضعة منه " .

2590 - ورواه أيوب قاضي اليمامة ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه عن النبي عليه السلام .

2591 - ورواه هشام بن حسان ، وشعبة ، والثوري ، وابن عيينة ، وجرير الرازي عن محمد بن جابر اليمامي ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه مثله .

2592 - وهذا حديث انفرد به أهل اليمامة ، وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد .

2593 - وقد استدل جماعة من العلماء على أنه منسوخ بحديث بسرة وما [ ص: 40 ] كان مثله بأن إيجاب الوضوء منه مأخوذ من جهة الشرع لا ينفي العقل التعبد به ولا يوجبه ؛ لاجتماعه مع سائر الأعضاء ، فمحال أن يتقدم الشرع بتخصيص إيجاب الوضوء منه من بين سائر الأعضاء .

2594 - ثم قال " إنما هو بضعة منك " وقد كان خصها بحكم شرعه وجائز أن يجب منه الوضوء بعد ذلك القول شرعا حادثا ؛ لأنه يحدث من أمره لعباده ما يشاء .

2595 - وفي مس الذكر من معناه مسائل كثيرة تنازع العلماء فيها قد [ ص: 41 ] ذكرناها في التمهيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية