الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
910 [ ص: 122 ] ( 63 ) باب الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة

865 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، هو وأسامة بن زيد ، وبلال بن رباح ، وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ومكث فيها . قال عبد الله : فسألت بلالا حين خرج ، ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : جعل عمودا عن يمينه ، وعمودين عن يساره ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة . ثم صلى .


[ ص: 123 ] 18303 - هكذا روى هذا الحديث جماعة من رواة مالك في " الموطأ " انتهوا فيه إلى قوله : " ثم صلى " .

18304 - وزاد فيه ابن القاسم : " وجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع " .

18305 - ولم يقولوا نحو ذلك .

18306 - وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ أصحاب نافع في " التمهيد " أيضا بالأسانيد .

18307 - وفي هذا الحديث رواية الصاحب عن الصاحب .

18308 - وقد روى ابن عباس ، عن أسامة بن زيد قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة ، فسبح وكبر في نواحيها ، ولم يصل فيها ، ثم خرج ، فصلى خلف المقام قبل الكعبة ركعتين ، ثم قال : " هذه القبلة " .

18309 - وروى مجاهد ، عن ابن عمر ، عن بلال ، أنه قال له : " أصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ؟ قال : نعم . قلت : أين صلى ؟ قال : بين الأسطوانين ، ركعتين ، ثم خرج ، فصلى ركعتين في وجه القبلة " .

18310 - هكذا حديث سيف بن سليمان ، عن مجاهد .

[ ص: 124 ] 18311 - وروى يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن صفوان قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل الكعبة ؟ قال : صلى ركعتين .

18312 - قال أبو عمر : وهما حديثان ، وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وغيرها في " التمهيد " .

18313 - وفيها ما يرد قول من زعم أنه صلى في حديث بلال معناه أنه دعا .

18314 - ورواية ابن عمر ، عن بلال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة ركعتين أولى من رواية ابن عباس عن أسامة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل فيها ؛ لأن من نفى شيئا وأثبته غيره لم يعد شاهدا ، وإنما الشاهد المثبت لا النافي .

18315 - وهذا أصل من أصول الفقه في الشهادات إذا تعارضت مثل هذا . [ ص: 125 ] 18316 - واختلف الفقهاء في الصلاة في الكعبة ، الفريضة والنافلة .

18317 - فقال مالك : لا يصلي فيها الفرض ، ولا الوتر ، ولا ركعتي الفجر ، ولا ركعتي الطواف ، ويصلي فيها التطوع .

18318 - وقد ذكرنا اختلاف قوله وقول أصحابه - فيمن صلى فيها أو على ظهرها الفريضة في كتاب اختلافهم ، والأشهر عنهم أنهم يعيدون في الوقت .

18319 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والثوري : يصلي في الكعبة الفريضة ، والنافلة .

18320 - قال الشافعي : إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها فصلاته جائزة ، أو صلى عند الباب والباب مفتوح فصلاته باطلة ؛ لأنه لم يستقبل شيئا منها .

18321 - قال : ومن صلى على ظهرها فصلاته باطلة لأنه لم يستقبل شيئا منها .

18322 - وقال أبو حنيفة : من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه .

18323 - واختلف أهل الظاهر فيمن صلى في الكعبة فقال بعضهم : [ ص: 126 ] صلاته جائزة ؛ لأنه قد استقبل بعضها .

18324 - وقال بعضهم : لا صلاة له نافلة ولا فريضة لأنه قد استدبر بعضها ، وقد نهى عن ذلك حين أمر أن يستقبلها .

18325 - واحتج قائل هذه المقالة بقول ابن عباس : أمر الناس أن يصلوا إلى الكعبة ولم يؤمروا أن يصلوا فيها .

18326 - وقد أوضحنا هذه المسألة في " التمهيد " إن شاء الله ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية