الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
922 [ ص: 170 ] ( 68 ) باب تكبير أيام التشريق

877 - مالك ، عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر . فكبر الناس بتكبيره ، ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار . فكبر ، فكبر الناس بتكبيره ، ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر ، فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت . فيعلم أن عمر قد خرج يرمي .

18478 - قال مالك : الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات . وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر . وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق [ ص: 171 ] ثم يقطع التكبير .

18479 - قال مالك : والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء - من كان في جماعة أو وحده بمنى أو بالآفاق كلها - واجب - يعني وجوب سنة - . وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج . وبالناس بمنى - يعني أنهم يأتمون بهم في رمي الجمار والتكبير - لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم ، حتى يكونوا مثلهم في الحل . فأما من لم يكن حاجا ، فإنه لا يأتم بهم إلا في التكبير أيام التشريق - يريد من أهل الآفاق كلهم ومن فاته الحج وأقام بمكة أيام منى .


18480 - قال أبو عمر : تكبير عمر ( رضى الله عنه ) المذكور هو تكبيره عند رمي الجمار يوم النحر وأيام التشريق ، وأما التكبير دبر الصلوات فقد ذكرناه في بابه من صلاة العيدين في كتاب الصلاة ، وذكرنا اختلاف الفقهاء في ذلك .

18481 - والمأثور فيه عن عمر ما ذكره عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن التيمي وهشيم ، عن الحجاج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عمر : أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق .

18482 - قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت عبيد بن عمير يقول : كان عمر يكبر في قبته بمنى فكبر أهل المسجد : ويكبر [ ص: 172 ] أهل الأسواق فيملئون منى تكبيرا .

18483 - قال أبو عمر : هذا عندهم من معنى قول الله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون [ البقرة : 185 ] .

18484 - عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن أبي رواد ، عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يكبر ثلاثا وراء الصلوات بمنى ، يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

18485 - قال : وأخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي .

[ ص: 173 ] 18486 - وعن أبي إسحاق ، عن الأسود ، عن ابن مسعود : أنهما كان يكبران من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق .

18487 - وأخبرنا معمر ، عن الزهري . وأخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن سعيد بن جبير قالا : التكبير من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق .

18488 - وعن ابن عباس ، وزيد بن ثابت مثله .

18489 - قال : وأخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول : التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول .

18490 - وقد ذكرنا أقاويل الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار بالتكبير في أيام التشريق في موضعه من كتاب الصلاة في العيدين .

18491 - وأما كيفية التكبير ، فالذي صح عن عمر ، وابن عمر ، وعلي ، وابن مسعود أنه ثلاث ثلاث : الله أكبر . . . الله أكبر . . . الله أكبر .

18492 - وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في ذلك أيضا ، وكل ذلك واسع ، ومسائل التكبير خلف الصلاة المكتوبة وغيرها للرجال والنساء والمسافر والمقيم ، كل ذلك مذكور في باب العيدين من كتاب الصلاة بما للعلماء فيه [ ص: 174 ] من المذاهب والحمد لله .

18493 - وأما قول مالك في آخر هذا الباب : الأيام المعدودات أيام التشريق ، فذلك إجماع لا خلاف فيه . وكذلك لا خلاف أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وإنما اختلفوا في المعلومات أيام الذبح ، وسيأتي ذلك في موضعه من كتاب الضحايا إن شاء الله .

18494 - وللأيام المعدودات ثلاثة أقسام : هي أيام منى ، وهي الأيام المعدودات ، وهي أيام التشريق .

18495 - وفي المعنى الذي سميت له أيام التشريق ثلاثة أقوال :

18496 - أحدها أنها سميت بذلك ؛ لأن الذبح فيها يكون بعد شروق الشمس ، وهذا يشبه مذهب من لم يجز الذبح بالليل منهم مالك ( رحمه الله ) ، وسيأتي الاختلاف في ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله .

18497 - ( والثاني ) : أنها سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الضحايا والهدايا المتطوع بها إذا قددت . وهذا قول جماعة منهم قتادة .

18498 - ( والثالث ) : أنها سميت كذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها للشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج .

18499 - هذا قول أبي جعفر محمد بن علي وجماعة أيضا ، وقد مضى [ ص: 175 ] القول أن لفظ التشريق مأخوذ من قولهم " أشرق ثبير كيما نغير " وهذا إنما يعرفه أهل العلم من السلف العالمين باللسان ، وليس له معنى يصح عند أهل الفهم والعلم بهذا الشأن .

18500 - ولا خلاف أن أيام منى ثلاثة أيام ، وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

18501 - حدثني سعيد بن نصر قال : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني محمد بن إسماعيل قال : حدثني الحميدي ، وحدثني عبد الوارث قال : حدثني قاسم قال : حدثني الخشني قال : حدثني ابن أبي عمر قالا : حدثني سفيان قال : حدثني الثوري ، وكان أجود حديث يرويه هذا قال : سمعت بكير بن عطاء الليثي يقول : سمعت عبد الرحمن بن يعمر الديلي يقول : سمعت رسول [ ص: 176 ] الله - صلى الله عليه وسلم يقول : " الحج عرفات . من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه .

18502 - هذا حديث أشرف ولا أحسن من هذا رواه ابن عيينة ، عن الثوري .

التالي السابق


الخدمات العلمية