الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
925 [ ص: 188 ] [ ص: 189 ] ( 70 ) باب البيتوتة بمكة ليالي منى

880 - مالك ، عن نافع أنه قال : زعموا أن عمر بن الخطاب كان يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة .

881 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال : لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة .

882 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنه قال في البيتوتة بمكة ليالي منى : لا يبيتن أحد إلا بمنى .


18533 - قال أبو عمر : على ما روي عن عمر في هذا الباب أكثر الناس .

18534 - وفيه حديث مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يبيتن أحد إلا [ ص: 190 ] بمنى حتى يتم حجه " ولا يصح فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء ، والله أعلم .

18535 - وأحسن شيء فيه ما روي عن ابن عمر : أنه قد بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى وصلى .

18536 - وكان ابن عباس ( رضى الله عنه ) يرخص في المبيت بمكة ليالي منى .

18537 - ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن دينار عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى ويظل إلى رمي الجمار .

18538 - وعن ابن عيينة ، عن ابن جريج ، أو غيره ، عن عطاء ، عن ابن عباس مثله .

18539 - قال : وأخبرنا معمر ، عن الزهري قال : إذا بات بمكة ليالي منى فعليه دم .

18540 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، عن عطاء قال : إذا بات بمكة لغير ضرورة فليهرق دما .

18541 - وقال عبد الرزاق : قلت للثوري : ما على من بات بمكة ليلا أو ليالي منى ؟ قال : لم يبلغني فيه شيء أحفظه الآن .

[ ص: 191 ] 18542 - قال أبو عمر : لا خلاف علمته بين العلماء أن من سنن الحج المبيت بمنى ليالي التشريق لكل حج إلا من ولي السقاية من آل العباس بن عبد المطلب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لهم في المبيت بمكة من أجل سقايتهم ، وأرخص لرعاء الإبل في ذلك على ما يأتي ذكره بعد إن شاء الله .

18543 - وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثني محمد بن بكر بن داسة قال : حدثني أبو داود قال : حدثني عثمان بن أبي شيبة قال : حدثني ابن نمير ، وأبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : استأذن العباس النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقاية الحاج فأذن له .

18544 - وحدثني محمد بن إبراهيم قال : حدثني محمد بن معاوية قال : حدثني أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا عيسى قال : أخبرنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته .

[ ص: 192 ] 18545 - قال أبو عمر : حديث ابن عمر هذا ثابت عند أهل العلم بالحديث . وفيه دليل على أن المبيت بمنى ليالي منى من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه خص بالرخصة عمه دون غيره من أجل السقاية ، وكانت له في الجاهلية مكرمة يسقي الناس نبيذ التمر في الموسم فأقر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 193 ] 18546 - ذكر محمد بن أبي عمر العدني ، عن سفيان ، عن ابن طاوس قال : كان أبي يقول : شرب نبيذ السقاية من تمام الحج .

18547 - وروى ابن جريج ، عن نافع : أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ ولا من زمزم قط - يعني في الحج .

18548 - وقال دارم بن عبد الرحمن : سألت عطاء عن النبيذ ؟ فقال : كل مسكر حرام . فقلت : يا ابن أم رباح أتزعم أنهم يسقون الحرام في المسجد الحرام ؟ فقال : يا ابن أخي ، والله لقد أدركت هذا الشراب وإن الرجل ليشرب فتلتزق شفتاه من حلاوته قال : فلما ذهبت النخوة وولي السفهاء تهاونوا بالشراب واستخفوا به .

[ ص: 194 ] 18549 - وأما ولاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس سقايات زمزم فأشهر من أن تذكر .

18550 - وقال عطاء : كان ابن عباس يأتي منى كل يوم عند زوال الشمس يرمي الجمار ، ثم يرجع إلى مكة فيبيت بها لأنه كان من أهل السقاية .

18551 - واختلف الفقهاء في حكم من بات بمكة من غير أهل السقاية .

18552 - فقال مالك : من بات ليلة من ليالي منى فعليه دم .

18553 - وقال الشافعي : لا رخصة في ترك المبيت بمنى إلا لرعاة الإبل وأهل سقاية العباس دون غير هؤلاء . وسواء من استعملوا عليها منهم أو من غيرهم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص لأهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى .

18554 - وقال الشافعي : إن غفل أحد فبات بغير منى ولم يكن من أهل السقاية أحببت أن يطعم عن الليلة مسكينا ، فإن بات ليالي منى كلها أحببت أن يهريق دما .

[ ص: 195 ] 18555 - وقال أصحاب الشافعي له في هذه المسألة قولان :

18556 - ( أحدهما ) : أنه إن بان عنها ليلة تصدق بدرهم ، وإن بان عنها ليلتين تصدق بدرهمين ، وإن بان عنها ثلاث ليال كان عليه دم .

18557 - ( والثاني ) : أن عليه لكل ليلة مدا من طعام إلى ثلاث ليال ، فإن تمت الثلاث فعليه دم .

18558 - وقال أبو حنيفة ، وأبو محمد : إن كان يأتي منى فيرمي الجمار ، ثم يبيت بمكة فلا شيء عليه .

18559 - وهو قول الحسن البصري .

18560 - وقال أبو ثور : إن بات ليالي منى بمكة فعليه دم .

18561 - وهو قول أحمد ، وإسحاق .

18562 - قال أبو عمر : من لم ير عليه شيئا قال : لو كانت سنة ما سقطت عن الناس ، وإنما هو استحباب ، وحسبه إذا رمى الجمار في وقتها . وعلة من رأى الدم في ذلك أنها سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته ورخص لأهل السقاية دون غيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية