الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
935 [ ص: 216 ] ( 72 ) باب الرخصة في رمي الجمار

891 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي ، أخبره عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة ، خارجين عن منى ، يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، ومن بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر .

[ ص: 217 ] 892 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل . يقول : في الزمان الأول .

18625 - قال مالك : تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار ، فيما نرى - والله أعلم - أنهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد . وذلك يوم النفر الأول . فيرمون لليوم الذي مضى ، ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه . فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك فإن [ ص: 218 ] بدا لهم النفر فقد فرغوا ، وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا .


18626 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " ما ذكره أحمد بن خالد ، عن يحيى بن يحيى في حديث أبي البداح أنه قال فيه : " عن أبي البداح عاصم بن عدي " وتكلمنا في ذلك بما حضرنا .

18627 - والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، وهو الصحيح . وقد ذكرنا شواهده في " التمهيد " .

18628 - وقد روى هذا الحديث يحيى القطان عن مالك بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين بعده يجمعونهما في آخرهما ، لم يذكر البيتوتة عن منى .

18629 - ومعلوم أنه إنما رخص لهم في البيتوتة عن منى هم وكل من ولي السقاية من آل العباس .

[ ص: 219 ] 18630 - وظاهر حديث يحيى بن سعيد القطان ، عن مالك أنه رخص للرعاء في دمج يومين في يوم واحد فرموا ذلك أو أجزوه . ومالك لا يرى لهم التقديم إنما يرى لهم تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ، ثم يرمون في اليومين لأنه لا يقضى عليه شيء من ذلك حتى يجب فيقضى فيه .

18631 - ومن حجته ما رواه ابن جريج ، عن محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ، ثم يدعوا يوما وليلة ، ثم يرمون من الغد - يعني يرمون اليوم الذي غابوا عنه من منى - ثم يرمون عن يومهم الذي أتوا فيه من رعيهم .

18632 - قال أبو عمر : وقال غير مالك : لا بأس بذلك كله ؛ لأنها رخصة رخص لهم فيها كما رخص لمن نفر وتعجل في يومين في سقوط الرمي في اليوم الثالث .

18633 - وعند مالك إذا رموا في اليوم الثالث ، وهو الثاني من أيام التشريق لذلك اليوم ولليوم الذي قبله نفروا إن شاءوا في بقية ذلك اليوم ، فإن لم ينفروا وبقوا إلى الليل لم ينفروا اليوم الثالث من أيام التشريق حتى يرموا في وقت الرمي بعد الزوال ، وإنما لم يجز مالك للرعاء في تقديم الرمي ؛ لأن غير الرعاء لا يجوز لهم أن يرموا في أيام التشريق شيئا من الجمار قبل الزوال ، ومن رماها قبل الزوال أعادها ، فكذلك الرعاء سواء ، وإنما رخص للرعاء [ ص: 220 ] في تأخير اليوم الثاني إلى اليوم الثالث . فقف على ذلك فهو مذهب مالك .

18634 - قال أبو عمر : لما رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل بالرمي في الليل دل ذلك على أن الرمي بالليل غيره أفضل منه ؛ لأن الليل لا يجوز فيه الرمي أصلا ؛ لإجماع العلماء أن الرمي للرعاء وغير الرعاء لا يجوز تأخيره حتى تخرج أيام التشريق ، فدل على أن الرمي في ليل التشريق رخصة للرعاء ، وأن الرمي بالنهار هو في الوقت المختار .

18635 - قال معمر : سمعت الزهري يقول : أرخص للرعاء أن يرموا ليلا .

18636 - وابن جريج ، عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص للرعاء أن يرموا بالليل .

18637 - وقال مجاهد : لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص لغير الرعاء . 18638 - وقال الزهري ، وعطاء : من نسي أن يرمي نهارا في أيام منى فليرم في الليل ، يرمي في أيام منى بالليل والنهار ، فإن مضت أيام منى أهراق دما .

18639 - وقال عطاء : إذا غابت الشمس من أيام التشريق فقد انقطع الرمي .

18640 - وقد روي أن الرمي يفوت بطلوع الفجر من آخر أيام [ ص: 221 ] التشريق .

18641 - وهي رواية شاذة .

18642 - قال عروة : من فاته الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس إلى آخر غروب الشمس . 18643 - وأما قولهم : من ترك الرمي إلى أن غربت الشمس ، فقال مالك : من لم يرم حتى الليل رمى ساعة ذكر من ليل أو نهار .

18644 - قال : وهو أخف عندي من الذي يفوته الرمي يوم النحر حتى يمسي .

18645 - وقال أبو حنيفة : من ترك رمي الجمار كلها يومه إلى الليل وهو في أيام الرمي رماها بالليل ، ولا شيء عليه ، فإن ترك الرمي حتى انشق الفجر رمى وعليه دم .

18646 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرمي من الغد ولا شيء عليه .

18647 - وقال الشافعي : من أخر أو نسي شيئا من الرمي أيام منى قضى ذلك في أيام منى ، فإن مضت أيام منى ولم يرم أهراق دما لذلك إن كان الذي ترك ثلاث حصيات ، وإن كان أقل ففي كل حصاة مد يتصدق به .

[ ص: 222 ] 18648 - وهو قول أبي ثور .

التالي السابق


الخدمات العلمية