الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
940 [ ص: 233 ] ( 74 ) باب دخول الحائض مكة

896 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع . فأهللنا بعمرة . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " . قالت : فقدمت مكة وأنا حائض . فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة . فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : " انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ودعي العمرة " قالت : ففعلت فلما قضينا الحج ، أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، إلى التنعيم ، فاعتمرت . فقال : " هذا مكان عمرتك " . فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا منها ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، لحجهم . . وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . [ ص: 234 ] مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة بمثل ذلك .


18696 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث يحيى بن يحيى بهذين الإسنادين ، ولم يروه أحد من رواة " الموطأ " وغيرهم عن مالك كذلك .

18697 - وإنما الحديث عند جميعهم غير يحيى عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، لا عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، كما روى يحيى .

18698 - وليس إسناد عبد الرحمن بن القاسم عند غير يحيى من رواة " الموطأ " في هذا الحديث .

18699 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا في " التمهيد " .

[ ص: 235 ] [ ص: 236 ] 18700 - وأما قول عائشة في هذا الحديث : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ، ففيه حج المرأة مع زوجها .

18701 - وفي معنى ذلك سفرها معه حيث شاء ومما أبيح له ولها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ; " لا تسافر امرأة إلا مع زوجها ، أو أبيها ، أو ابنها ، أو أخيها ، أو ذي محرم منها " .

18702 - وروي عنه : مسيرة بريد ، ومسيرة يوم ، ومسيرة يوم وليلة ، ومسيرة يومين ، ومسيرة ثلاثة أيام ، وسيأتي القول في ذلك في موضعه عند ذكر حديث مالك في ذلك إن شاء الله تعالى .

18703 - واختلفوا في المرأة التي لا زوج لها ، ولا معها ذو محرم يطاوعها على السفر إلى الحج معها ، هل تحج من غير زوج ، ولا ذي محرم أم لا ؟ وهل الزوج والمحرم من السبيل ، الذي قال الله تعالى : من استطاع إليه [ ص: 237 ] سبيلا ( آل عمران : 97 ) أم لا ؟ .

18704 - فقالت طائفة : الزوج والمحرم من السبيل ، منهم : إبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبو حنيفة ، وأصحابه .

18705 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

18706 - وقال مالك ، والشافعي : إذا لزم المرأة الحج ، وأبى زوجها من الخروج معها ، أو لم يكن معها زوج ، ولا ذو محرم ، حجت مع النساء ، وليس المحرم عندهما من السبيل .

18707 - وقال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين ثقة .

18708 - وقال الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول ، وتتخذ سلما تصعد عليه ، وتنزل ، ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير ، وتضع رجلها على ذراعه .

18709 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن عثمان قال : حدثني إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني علي بن المديني قال : حدثني محمد بن حازم قال : حدثني أبو معاوية قال : حدثني الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها ، أو أبوها ، أو أخوها ، أو [ ص: 238 ] أمها ، أو ابنها ، أو ذو محرم منها .

18710 - وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

18711 - وروي هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عباس ، ومن حديث عبد الله بن عمر ، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن [ ص: 239 ] العاص .

18712 - وروى يونس ، عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة أنها أخبرت أن أبا سعيد الخدري يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلا مع ذي محرم " .

فقالت عائشة : ما كلهن ذوات محرم ، ولا كل النساء يجدن محرما
.

18713 - وأما قولها : " فأهللنا بعمرة " فإن عروة قد خولف في ذلك عنها .

18714 - قال أبو عمر : لم يخالفه عندي من هو حجة عليه ؛ لأن عروة أحفظ أصحاب عائشة .

[ ص: 240 ] 18715 - ومن أهل بعمرة في أشهر الحج ، وهو يريد الحج في عامه ، فهو متمتع بإجماع إذا حج .

18716 - ومعلوم أن خروجهم كان في ذي القعدة ، وهو من شهور الحج ، وحجوا في عامهم ، فدل على أنه كان منهم المتمتع بالعمرة إلى الحج ، ومنهم المنفرد بالحج ، ومنهم من قرن العمرة مع الحج .

18717 - وهذا ما لا خلاف فيه من أهل الآثار وعلماء الأمصار .

18718 - وكذلك أجمعوا أن ذلك سنة معمول بها ، إلا أنهم اختلفوا في الأفضل منها ، وفيما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرما به في حاجة نفسه يومئذ .

18719 - وأما قولها : ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان معه هدي ، فليحل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا .

18720 - وفيه أدل دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في حجته قارنا ، فإنه لا خلاف أنه كان معه يومئذ الهدي ، ساقه مع نفسه ، وقلده بذي الحليفة ، وأشعره إلى ما أتى به علي من اليمن .

[ ص: 241 ] 18721 - ويؤيد ما ذكرنا حديث حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي " .

18722 - فهذا القول مع قوله لأصحابه : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة " أوضح دليل على أنه كان قارنا - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - إلى الآثار التي قدمنا ذكرها في باب القران ، قد صرحت وأفصحت بأنه كان قارنا ، فإذا كان ما ذكرنا كما وصفنا كان معنى قول عائشة - رحمها الله - في رواية القاسم ، ومن تابعه عنها بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ، أي : أباح الإفراد وأذن فيه ، وأمر به ، وبينه - صلى الله عليه وسلم .

18723 - وقد أوضحنا وجوه الإفراد ، والتمتع ، والقران فيما تقدم ، والحمد لله .

18724 - وفي رواية مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج دليل على أن يحيى وهم في رواية حديث هذا الباب ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، وإنما هو حديث عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة عند الجميع .

18725 - وقد يمكن أن يكون الحديث عند مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، كما رواه يحيى عنه ، فذكره في حين كون يحيى عنده .

[ ص: 242 ] 18726 - وأما قولها : " فقدمت مكة ، وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة " فهذا ما لا خلاف فيه أيضا أن الحائض لا تطوف بالبيت ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها : " افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت " .

18727 - وقد أجمعوا : أن سنة الطواف بين الصفا والمروة أن يكون موصولا بالطواف بالبيت ، وقد أوضحنا فيما سلف من كتابنا معاني ذلك كله .

18728 - وأما قولها : فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " انقضي رأسك ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة " فإن جماعة من أصحابنا ، وأصحاب الشافعي تأولوا في قوله : " ودعي العمرة " أي : دعي عمل العمرة ، يعني الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها برفض العمرة ، وإنشاء الحج ، كما زعم الكوفيون .

18729 - وذكر ابن وهب ، عن مالك أنه قال في حديث عروة ، عن عائشة : هذا ليس عليه العمل عندنا قديما ، ولا حديثا قال : وأظنه وهما .

[ ص: 243 ] 18730 - قال أبو عمر : يريد مالك أنه ليس عليه العمل في رفض العمرة ; لأن الله - عز وجل - قد أمرنا بإتمام الحج والعمرة لكل من دخل فيهما .

18731 - والذي عليه العمل عند مالك ، والشافعي ، وجمهور أهل الحجاز في المعتمرة تأتيها حيضتها قبل أن تطوف بالبيت ، وتخشى فوت عرفة ، وهي حائض لم تطف ، أنها تهل بالحج ، وتكون كمن قرن بين الحج والعمرة ابتداء ، وعليها هدي القران .

18732 - ولا يعرفون رفض العمرة ، ولا رفض الحج لأحد دخل فيهما ، أو في أحدهما .

18733 - وممن قال بذلك : مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وإبراهيم بن علية ، كلهم يقول ذلك في الحائض المعتمرة .

18734 - وفي المعتمر يخاف فوت عرفة قبل أن يطوف ، قالوا : فلا يكون إهلاله رفضا للعمرة ، بل يكون قارنا بإدخال الحج على العمرة . 18735 - ودفعوا حديث عروة ، عن عائشة المذكور في هذا الباب بضروب من الاعتلال ، وعارضوه بآثار مروية ، عن عائشة بخلافه ، قد ذكرناها كلها ، أو أكثرها في " التمهيد " .

[ ص: 244 ] 18736 - وذكرنا اعتلالهم هناك بما أغنى عن ذكره هنا .

18737 - واختصار ذلك أن القاسم ، وعمرة ، والأسود رووا عن عائشة أنها كانت محرمة بحجة ، لا بعمرة ، فكيف يصح أن يقول لها : دعي العمرة .

18738 - وقد أوضحنا هذا ، وجئنا بألفاظ الأحاديث الشاهدة بذلك في " التمهيد " .

[ ص: 245 ] [ ص: 246 ] 18739 - قال إسماعيل بن إسحاق : لما اجتمع هؤلاء الثلاثة - يعني : القاسم ، والأسود ، وعمرة - على أن عائشة كانت محرمة بحج لا بعمرة علمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط .

[ ص: 247 ] 18740 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : المعتمرة الحائض إذا [ ص: 248 ] [ ص: 249 ] [ ص: 250 ] خافت فوت عرفة ، ولم تكن طافت ، ولا سعت رفضت عمرتها ، وألغتها ، وأهلت بالحج ، وعليها لرفض عمرتها دم ، ثم تقضي عمرة بعد .

18741 - وحجتهم : حديث ابن شهاب هذا عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها - إذ شكت إليه حيضتها - : " دعي عمرتك ، وانقضي [ ص: 251 ] رأسك وامتشطي ، وأهلي بالحج " وكذلك رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، كما رواه ابن شهاب بمعنى واحد .

18742 - قالوا : وفي قوله لها : " انقضي رأسك ، وامتشطي دليل على رفض العمرة ; لأن القارنة لا تمتشط ، ولا تنفض رأسها .

18743 - قالوا : لا وجه لمن جعل حديث عروة خطأ ; لأن الزهري ، وعروة لا يقاس بهما غيرهما في الحفظ والإتقان .

18744 - قالوا : وكذلك روى عكرمة ، عن عائشة ، وابن أبي مليكة عن عائشة .

18745 - ذكر عبد الرزاق قال : ذكرت للثوري ما حدثناه معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قال علي - رضي الله عنه - : إذا خشي المتمتع فوتا أهل بالحج مع عمرته ، وكذلك الحائض المعتمرة تهل بحج مع عمرتها .

18746 - وعن الحسن ، وطاوس مثله .

18747 - وقال الثوري : لا نقول بهذا ، ولا نأخذ به ، ونأخذ بحديث [ ص: 252 ] عائشة ، ونقول : عليها لرفض عمرتها دم ، والله أعلم .

18748 - قال أبو عمر : ليس في حديث عروة عن عائشة ذكر دم ، لا من رواية الزهري ، ولا من رواية غيره ، بل قال فيه هشام بن عروة : ولم يكن في شيء من ذلك دم . ذكره أنس بن عياض وغيره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في حديثهما هذا .

18749 - وذكره البخاري فقال : حدثني محمد قال : حدثني أبو معاوية قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين لهلال ذي الحجة ، فقال لنا : من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل ، ومن أحب منكم أن يهل بالعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة ، قالت : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة ، وكنت ممن أهل بعمرة ، فأظلني يوم عرفة ، وأنا حائض ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم ، [ ص: 253 ] فأهللت بعمرة مكان عمرتي .

18750 - قال أبو عمر : هذا أقوى ما احتج به الكوفيون في رفض العمرة للحائض المعتمرة المريدة للحج ، وقد عارض عروة في ذلك من ليس بدونه في الحفظ ، وأقل الأحوال سقوط الاحتجاج بما قد صح به التعارض ، والتدافع ، والرجوع إلى ظاهر قول الله - تعالى - : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) .

18751 - وقد أجمعوا : أن الخائف لفوت عرفة أنه لا يحل له رفض العمرة ، فكذلك من خاف فوت عرفة ، لأنه لا يمكنه إدخال الحج على العمرة ، ويكون قارنا ، فلا وجه لرفض العمرة في شيء من النظر .

18752 - وأما الأثر فقد اختلفت الرواية فيه ، وبالله التوفيق .

18753 - فإن قيل : لو كانت قارنة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلها مع أخيها تعتمر ، ثم يقول لها : هذه مكان عمرتك " .

[ ص: 254 ] 18754 - قيل له : قد صححنا أنها لم تكن مهلة بعمرة ، فسقط عنها الجواب .

18755 - ويحتمل أن لو كانت مهلة بعمرة ثم قرنت بها حجا أن يكون معنى قولها : يرجع صواحبي بحج وعمرة ، وأرجع أنا بالحج ، أي أرجع أنا ، ولم أطف إلا طواف الحج ، فأرادت أن تكون عمرتها مفردة تطوف بها ، وتسعى كما صنع غيرها .

18756 - ألا ترى إلى قولها : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا بهما طوافا واحدا .

18757 - وأما قولها : فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا منها ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم فهكذا السنة في كل من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يطوف من عمرته ، وينحر ، ثم يطوف طواف الإفاضة لحجه يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ، وهذا ما لا خلاف فيه ، ولا مدخل للكلام عليه ، وقد مضى القول نحو ذا في إدخال الحج على العمرة ، وما في ذلك للعلماء من المذاهب والمعاني فيما تقدم من كتابنا هذا .

[ ص: 255 ] 18758 - وأما قولها : وأما الذين كانوا أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا ، فلا خلاف بين العلماء أن المرمل بالحج منفرد لا يطوف إلا طوافا واحدا يوم النحر يحل به من كل شيء : من النساء ، وغير النساء مما كان حراما عليه ، ويستحب له ألا يطوف يوم غير ذلك الطواف ، فإن طاف بعده ما شاء متطوعا ذلك اليوم ، لم يحرم عليه .

18759 - وأما من جمع الحج والعمرة ، فإن العلماء قد اختلفوا قديما وحديثا في طواف القارن وسعيه :

18760 - فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : يجزئ القارن طواف واحد ، وسعي واحد .

18761 - وهو مذهب عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، وطاوس .

18762 - وحجتهم حديث عروة ، عن عائشة هذا ، وآثار قد ذكرتها في " التمهيد " منها حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من جمع الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد " .

[ ص: 256 ] 18763 - وهذا الحديث لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي ، عن عبد الله ، وغيره أوقفه على ابن عمر .

18764 - وكذلك رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا .

18765 - ومن حجتهم أيضا حديث ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " إذا رجعت إلى مكة ، فإن طوافك يجزئك لحجتك ، وعمرتك " .

18766 - وآثار قد ذكرتها كلها بما فيها في " التمهيد " .

[ ص: 257 ] 18767 - وقال الثوري ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن صالح : على القارن طوافان وسعيان .

18768 - وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود .

18769 - وبه قال الشعبي ، وجابر بن زيد .

18770 - قال أبو عمر : الحجة بحديث عروة ، عن عائشة في طواف القارن أنه طواف واحد لازمة للكوفيين ; لأنهم يأخذون به في رفض العمرة مع احتماله في ذلك للتأويل ، ويتركونه في طواف القارن ، ولا يحتمل التأويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية