الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
101 84 - مالك : عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من إناء ، هو الفرق ، من الجنابة .


2767 - وقد ذكرنا في " التمهيد " من وافق مالكا على لفظه في هذا الحديث ، ومن زاد فيه من رواته .

2768 - وليس في حديث مالك هذا إلا الاقتصار على ما يكفي من الماء من غير تحديد ، وأن الإسراف فيه مذموم .

[ ص: 73 ] 2769 - وذلك رد على الإباضية ومن ذهب مذهبهم في الإكثار من الماء .

2770 - وهو مذهب ظهر قديما ، وسئل عنه بعض الصحابة والتابعين . فلذلك سيق هذا الحديث ومثله .

2771 - وقد ذكرنا من آثار هذا الباب في " التمهيد " كثيرا يدل على ما وصفنا والحمد لله .

2772 - وجملة الآثار المنقولة في هذا عن النبي - عليه السلام - يدل على أن لا توقيت فيما يكفي من الماء في الغسل والطهارة . ولذلك ما استحب السلف ذكر المقدار من غير كيل .

2773 - روى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول : صاع للغسل من غير أن يكال .

2774 - قال : وأخبرنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : كم بلغك أنه يكفي الجنب ؟ قال : صاع من ماء من غير أن يكال .

2775 - وقد روى القعنبي ، عن سليمان بن بلال ، عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع سعيد بن المسيب سأله رجل من أهل العراق عما يكفي الإنسان في غسل [ ص: 74 ] الجنابة فقال لي سعيد : إن لي تورا يسع مدين من ماء أو نحوهما ، وأغتسل به ، فيكفيني وتفضل فيه فضلة .

2776 - فقال الرجل : والله إني لأستنثر بمدين من ماء .

2777 - فقال سعيد بن المسيب : فما تأمرني إن كان الشيطان يلعب بك .

2778 - فقال له الرجل : فإن لم يكفني ، فإني رجل - كما ترى - عظيم .

2779 - فقال له سعيد : ثلاثة أمداد فقال : إن ثلاثة أمداد قليل . قال له : فصاع .

2780 - قال عبد الرحمن ، وقال لي سعيد ، إن لي ركوة أو قدحا ما تسع إلا نصف المد أو نحوه وإني لأتوضأ منه ، وربما فضل فضل .

2781 - قال عبد الرحمن : فذكرت هذا الحديث الذي سمعت من سعيد بن المسيب لسليمان بن يسار ، فقال : وأنا يكفيني مثل ذلك .

2782 - قال عبد الرحمن : فذكرت ذلك لأبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة : هكذا سمعنا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

2783 - وفي " التمهيد " زيادات في هذا المعنى عن جماعة من العلماء ، ولا خلاف بينهم في هذا الباب ، والحمد لله .

2784 - وأما الفرق فبتحريك الراء ، وقد روي عن يحيى وغيره بإسكان الراء .

[ ص: 75 ] 2785 - قال الخليل بن أحمد : الفرق : مكيال .

2786 - وقال ابن وهب : الفرق : مكيال من خشب .

2787 - كان ابن شهاب يقول : إنه يسع خمسة أقساط بأقساط بني أمية .

2788 - وقد فسر محمد بن عيسى الأعشى الفرق بثلاثة أصوع قال : وهي خمسة أقساط .

2789 - قال : وفي الخمسة أقساط اثنا عشر مدا بمد النبي - عليه السلام - .

2890 - قال ابن مزين : قال لي عيسى بن دينار : قال لي ابن القاسم ، وسفيان بن عيينة : الفرق يحمل ثلاثة أصوع .

2791 - وقال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الفرق فقال : ثلاثة أصوع .

2792 - وهذا كله قريب بعضه من بعض .

2793 - وقد روي عن مجاهد ما يخالف ذلك .

2794 - روى موسى الجهني عن مجاهد أنه أتى بقدح حزرته بثمانية أرطال ، فقال : حدثتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بمثل هذا .

2795 - قال أبو عمر : غسل الأعضاء في الوضوء وسائر الجسم في الغسل إنما يكون بمباشرة الماء لذلك . وما أمر الله بغسله فلا يجزئ فيه المسح . فمن قدر أن [ ص: 76 ] يتوضأ بمد أو أقل ، ويغتسل بصاع أو دون بعد أن يسبغ ويعم فذلك حسن جائز عند جماعة العلماء بالحجاز والعراق . ولا يخالف في ذلك إلا ضال مبتدع ، وبالله التوفيق .

2796 - وأما فعل ابن عمر في نضحه الماء في عينيه إذ كان يغتسل من الجنابة - فشيء لم يتابع عليه ؛ لأن الذي عليه غسل ما ظهر لا ما بطن .

2797 - وله - رحمه الله - أشياء شذ فيها ، حمله الورع عليها .

2798 - وفي أكثر الموطآت : سئل مالك عن نضح ابن عمر الماء في عينيه فقال : ليس على ذلك الأمر عندنا وليس هذا عند يحيى .

التالي السابق


الخدمات العلمية