الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
942 [ ص: 260 ] ( 75 ) باب إفاضة الحائض

898 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أن صفية بنت حيي حاضت . فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " أحابستنا هي ؟ " فقيل : إنها قد أفاضت . فقال " فلا إذا " .

[ ص: 261 ] 899 - وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثله سواء
.

900 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لعلها تحبسنا . ألم تكن طافت معكن بالبيت ؟ " قلن : بلى . قال " فاخرجن " .

901 - مالك ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين كانت إذا حجت ، ومعها نساء تخاف أن يحضن ، قدمتهن يوم النحر فأفضن . فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن . فتنفر بهن ، وهن حيض ، إذا كن قد أفضن .

[ ص: 262 ] 902 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره : أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاضت ، أو ولدت بعدما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت .

18779 - قال مالك : والمرأة تحيض بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت ، لابد لها من ذلك . وإن كانت قد أفاضت ، فحاضت بعد الإفاضة ، فلتنصرف إلى بلدها . فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحائض .

18780 - قال : وإن حاضت المرأة بمنى ، قبل أن تفيض ، فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم .


18781 - قال أبو عمر : معنى الآثار المرفوعة في هذا الباب أن طواف الإفاضة يحبس الحائض بمكة لا تبرح حتى تطوف للإفاضة ؛ لأن الطواف المفترض على كل من حج ، فإن كانت الحائض قد طافت قبل أن تحيض جاز لها بالسنة أن تخرج ، ولا تودع البيت ، ورخص ذلك للحائض وحدها دون غيرها .

18782 - وهذا كله أمر مجتمع عليه من فقهاء الأمصار ، وجمهور [ ص: 263 ] العلماء عليه لا خلاف بينهم فيه .

18783 - وقد كان ابن عمر - رضي الله عنه - يفتي بأن الحائض لا تنفر حتى تودع البيت ثم رجع عنه .

18784 - وذكر معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن الزهري ، عن سالم : أن صفية بنت أبي عبيد حاضت يوم النحر بعدها طافت بالبيت ، فأقام ابن عمر عليها سبعا حتى طهرت ، وطافت ، فكان آخر عهدها بالبيت .

18785 - ومعمر قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه أنه سمع ابن عمر يقول : لا ينفرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت ، فقلت : ما له لم يسمع ما سمع أصحابه ، ثم جلست إليه من العام القابل ، فسمعته يقول : أما النساء فقد رخص لهن .

[ ص: 264 ] 18786 - قال : وأخبرنا ابن طاوس عن أبيه أن زيد بن ثابت ، وابن عباس تماريا في صدور الحائض قبل أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت : فقال ابن عباس : تنفر . وقال زيد : لا تنفر ! فدخل زيد على عائشة فسألها ، فقالت : تنفر ، فخرج زيد ، وهو يقول : ما الكلام إلا ما قلت .

18787 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن طواف الوداع من سنن الحج المسنونة ، كما أجمعوا أن طواف الإفاضة فريضة .

18788 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب خطب الناس ، فقال : إذا نفرتم من منى ، فلا يصدر أحد حتى يطوف بالبيت ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .

18789 - وعن ابن عباس ، وابن عمر مثله ، عن أبيه .

18790 - وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للوداع ، وقد كان قال لهم : " خذوا عني [ ص: 265 ] مناسككم .

18791 - واختلف الفقهاء فيمن صدر ، ولم يودع :

18792 - فقال مالك : لا أحب لأحد أن يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف ، فإن لم يفعل ، فلا شيء عليه .

18793 - قال أبو عمر : الوداع عنده مستحب ، وليس بسنة واجبة ; لسقوطه عن الحائض ، وعن المكي الذي لا يبرح من مكة بفرقة بعد حجه ، فإن خرج من مكة إلى حاجة طاف للوداع ، وخرج حيث شاء .

18794 - وهذا يدل على أنه مستحب ليس من مؤكدات الحج .

18795 - والدليل على ذلك أنه طواف ، قد حل وطء النساء قبله ، فأشبه طواف التطوع .

18796 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه من خرج عن مكة ولم يودع البيت بالطواف فعليه دم .

[ ص: 266 ] 18797 - وحجتهم : ما جاء عن عمر ، وابن عباس ، وابن عمر ، أنهم قالوا : هو من النسك .

18798 - وقال ابن عباس : من ترك من نسكه شيئا ، فليهرق دما .

18799 - وأما قول مالك : فإن حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم .

187800 - وقال ابن عبد الحكم : إذا حاضت قبل الإفاضة لم تبرح حتى تطهر ، وتطوف بالبيت ، ويحبس عليها الكري إلى انقضاء خمسة عشر يوما من حين ذات الدم ، ويحبس على النفساء حتى تطهر بأكثر ما يحبس النفساء الدم في النفاس .

18801 - قال : ولا حجة للكري أن يقول : لم أعلم أنها حامل .

18802 - قال مالك : وليس عليها أن تعينه في العلف .

18803 - قال : فإن حاضت بعد الإفاضة فلتنفر .

18804 - قال : وإن كان بين الحائض وبين التي لم تطهر يوم ، أو يومان [ ص: 267 ] حبس عليها الكري ، ومن معه من أهل رفقته - وإن كان بقي لها أيام لم يحبس إلا وحده .

18805 - وقال محمد بن المواز : لست أعرف حبس الكري ، كيف يحبس وحده يعرضه بقطع الطريق عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية