الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
959 [ ص: 320 ] ( 81 ) باب جامع الحج

915 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس بمنى . والناس يسألونه فجاءه رجل فقال له : يا رسول الله . لم أشعر ، فحلقت قبل أن أنحر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انحر ، ولا حرج " ثم جاءه آخر فقال : " يا رسول الله . لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ، قال " ارم ، ولا حرج " قال : فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، قدم ولا أخر ، إلا قال : " افعل ولا حرج " .


19024 - قال أبو عمر : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه في حجته رمى الجمرة يوم [ ص: 321 ] النحر ، ثم نحر بدنه ، ثم حلق رأسه .

19025 - وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ، ثم ينحر هديا - إن كان معه - ثم يحلق رأسه ، فمن شاء قدم شيئا من ذلك عن رتبته ، فللعلماء في ذلك ما أصفه إن شاء الله .

19026 - قال مالك : من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة ، فعليه الفدية .

19027 - قال أبو عمر : لأنه حرام عليه أن يمس من شعره شيء ، أو يلبس أو يمس طيبا حتى يرمي جمرة العقبة .

19028 - وقد حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من حلق رأسه قبل محله من ضرورة بالفدية ، فكيف من غير ضرورة ؟ .

19029 - وقال ابن القاسم : وقال مالك : من حلق قبل أن يذبح ، فلا شيء [ ص: 322 ] عليه ، قال : وكذلك إن ذبح قبل أن يرمي ، يجزئه ، ولا شيء عليه ؛ لأن الهدي قد بلغ محله ، وذلك يوم النحر ، كما لو نحر المعتمر بمكة هديا ساقه قبل أن يطوف بعمرته .

19030 - وقال ابن عبد الحكم ، عن مالك : فيمن طاف طواف الإفاضة ، قبل أن يرمي الجمرة يوم النحر ، أنه يرمي ، ثم يحلق رأسه ، ثم يعيد الطواف .

19031 - قال : ومن رمى ، ثم طاف قبل الحلاق ، حلق رأسه ، وأعاد الطواف .

19032 - قال أبو عمر : روي عن إبراهيم ، وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي .

19033 - وهو قول الكوفيين .

19034 - وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وداود ، والطبري : لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ، ولا على من قدم شيئا ، أو أخره من رمي ، أو نحر ، أو حلاق ، أو طواف ، ساهيا - مما يفعل يوم النحر .

19035 - وحجتهم حديث عبد الله بن عمر ، المذكور في أول هذا الباب ، [ ص: 323 ] قوله : فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : " افعل ، ولا حرج " .

19036 - وحديث عطاء ، عن ابن عباس ، أن النبي - عليه السلام - سئل يوم النحر ، عن رجل حلق قبل أن يذبح ، أو ذبح قبل أن يرمي ، أو أشباه هذا ، فأكثروا في التقديم والتأخير ، فما سئل عن شيء من هذا إلا قال : " لا حرج لا حرج " .

19037 - وقال عطاء : من قدم نسكا عن نسك ، فلا حرج .

19038 - وروي ذلك عن سعيد بن جبير ، وطاوس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة .

19039 - وأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يذبح ، فجمهور العلماء على أن لا شيء عليه .

[ ص: 324 ] 19040 - كذلك قال عطاء ، وطاوس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة .

19041 - وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وداود ، وإسحاق ، والطبري .

19042 - وقال النخعي : من حلق قبل أن ينحر أهراق دما .

19043 - وبه قال أبو حنيفة ، قال : وإن كان قارنا ، فعليه دمان ، دم للقرن ، ودم للحلاق .

19044 - وقال زفر : عليه ثلاثة دماء للقران ودمان للحلاق قبل النحر .

19045 - وقال جابر بن زيد : من حلق قبل أن ينحر ، عليه الفدية .

19064 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي ، أنه لا شيء عليه وذلك - والله أعلم - لأن الهدي قد بلغ محله ، ولأنه منصوص عليه في الحديث ، نحرت قبل أن أرمي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ارم ، ولا حرج " .

19047 - قال أبو عمر : روى ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو حديث هذا الباب ، فلم يقل فيه : لم أشعر .

19048 - وقد ذكره مالك ، وهي لفظة فيها من الفقه أن الرجل فعل ذلك [ ص: 325 ] ساهيا ، فقيل له : " لا حرج " .

19049 - وقد جاء معمر بمعنى هذه اللفظة في معنى هذا الحديث فقال فيه بإسناده ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - واقفا على راحلته بمنى ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي ، فذبحت قال : " ارم ولا حرج " . فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء ، إلا قال : " افعل ، ولا حرج " .

19050 - قال أبو عمر : ولا أعلم لأهل العلم جوابا في المعتمد في ذلك ، ولو كان مخالفا للجاهل والساهي ، لفرقوا بينه في أجوبتهم ، وفي كتبهم ، والله أعلم .

19051 - إلا أن ابن عباس روي عنه أنه قال : من قدم من نسكه شيئا ، أو أخره ، فليهرق لذلك دما . ولم يفرق بين ساه ولا عامد ، وليست الرواية عنه بذلك بالقوية .

19052 - وعن سعيد بن جبير ، وقتادة ، مثل ذلك .

19053 - وقد ذكرنا مذهبهم فيمن قدم الإفاضة قبل الرمي والحلق ، أنه تلزمه إعادة الطواف .

19054 - وقال الشافعي ومن تابعه : لا إعادة عليه في الطواف .

[ ص: 326 ] 19055 - وقال الأوزاعي : إنما طاف للإفاضة قبل أن يرمي حجرة العقبة ، ثم واقع أهله ، أهراق دما .

19056 - وقد ذكرنا هذه المسألة ، وما كان مثلها في موضعها من كتابنا هذا ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية