الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
964 920 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة ، عام الفتح ، وعلى رأسه المغفر . فلما نزعه جاءه رجل فقال له : يا رسول الله . ابن خطل متعلق بأستار الكعبة . فقال رسول الله - [ ص: 345 ] صلى الله عليه وسلم - : " اقتلوه " .


19120 - قال مالك : ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ ، محرما . والله أعلم .

19121 - قال أبو عمر : حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس هذا ، انفرد به مالك ، عن ابن شهاب ، لم يروه عن ابن شهاب أحد غيره من وجه صحيح . وقد روي من وجوه لا تصح ، والصحيح فيه انفراد مالك ، عن ابن شهاب .

19122 - وقد ذكرنا بعض طرقه ، والاختلاف في ألفاظه في " التمهيد " .

19123 - وقال بعضهم فيه : مغفر من حديد .

[ ص: 346 ] 19124 - روى زيد بن الحباب ، وإبراهيم بن علي الغزي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، أن ابن خطل كان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

19125 - وروى شبابة بن سوار ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " من رأى منكم ابن خطل ، فليقتله " .

19126 - وزعم أصحابنا أن هذا أصل في قتل الذمي إذا سب النبي - عليه السلام - وهذا غلط ; لأن ابن خطل كان حربيا في دار الحرب ، لم يدخله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أمان أهل مكة ، بل استثناه من ذلك الأمان .

[ ص: 347 ] 19127 - ومعلوم أنهم كانوا كلهم ، أو أكثرهم على سب النبي - عليه السلام - ولم يجعل لابن خطل أمانا ; لأن أمره - عليه السلام - بقتل ابن خطل خرج من الأمان لأهل مكة مخرجا واحدا ، في وقت واحد .

19128 - بذلك وردت الآثار ، وهو معروف عند أهل السير .

19129 - والوجه في قتل ابن خطل أن الله - تعالى - أمر بقتل المشركين حيث وجدوا وقال : فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم [ الأنفال : 57 ] وجعل لهم مع ذلك - إذا قدر عليهم - المن إن شاء ، وإن شاء الفداء ، وليس هذا موضع ذكر وجوه ذلك ، ولما كان لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حكم الله ذلك ، صنع ما أذن الله له فيه .

19130 - وكان سبب قتله - والله أعلم - ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قراءة مني عليه قال : حدثناه قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق قال : وأما قتل عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي ، وأبو برزة الأسلمي ، اشتركا في دمه ، وهو رجل من بني تيم بن غالب .

قال : وإنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله ; لأنه بعثه مصدقا ، وكان مسلما ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما ، فنزل ابن خطل منزلا ، وأمر المولى أن يذبح له شاة ، ويصنع له طعاما ، فنام واستيقظ ، ولم يصنع له شيئا ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا .

[ ص: 348 ] 19131 - قال أبو عمر : فهذا القتل قود من مسلم .

19132 - ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة ، قتل مسلما بعد أخذ الدية ، وهو أيضا مما هدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه ، في حين دخوله مكة .

19133 - كذا حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثني قاسم قال : حدثني ابن وضاح قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثني أسباط بن نصر قال : زعم السدي ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال لما كان فتح مكة ، أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة ، إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : [ ص: 349 ] " اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة " : [ عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فأما عبد الله بن [ ص: 350 ] خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة ، فاستبق إليه سعيد بن حريث ، وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا ، وكان أشد الرجلين ، فقتله ، وذكر تمام الخبر في " التمهيد " .

19134 - قال أبو عمر : كان هذا كله من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمكة في الساعة التي خلت له من ذلك النهار ، ثم هي حرام إلى يوم القيامة .

19135 - ولهذا - والله أعلم - لم يدخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرما .

التالي السابق


الخدمات العلمية