الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
977 933 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ؛ قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه عن جده ؛ قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة ، في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، و ألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .


[ ص: 35 ] 19310 - قد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد في إسناد هذا الحديث في " التمهيد " .

19311 - وأصح شيء فيه ما قاله مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده .

19312 - وهذه البيعة لم تكن بيعة العقبة ، وإنما كانت بالمدينة على الحرب .

19313 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الشواهد بذلك .

19314 - منها ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد ، قال : حدثني أحمد بن الفضل بن العباس ، قال : حدثنا محمد بن جرير بن يزيد ، قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ، قال :

[ ص: 36 ] بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا
بيعة العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم
.

19315 - قال أبو عمر : قوله في حديث مالك : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة . . . الحديث ، معناه فيما استطاعوا .

19316 - ويبين ذلك حديثه عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : كنا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة يقول لنا : " فيما استطعتم " .

19317 - وأما قوله : في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، فمعناه فيما نقدر عليه شق علينا ، أو يسر بنا ، وفيما نحبه وننشط إليه ، وفيما نكرهه ويثقل علينا .

19318 - وفي حديث عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره . "

19319 - وهدى الله على ما يحل في دين الله ، وما أباحته الشريعة ، فهو المعروف الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " لا طاعة إلا في معروف " .

19320 - ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر إلا بالمعروف أطلق السمع والطاعة في المنشط والمكره ، ثم قيد ذلك لمن جاء بعده بأن قال : " إنما الطاعة في المعروف " .

[ ص: 37 ] 19321 - ولهذا يشهد المحكم من كتاب الله - عز وجل - ، قال الله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ المائدة : 2 ] .

19322 - وقد قال خضير السلمي لعبادة بن الصامت ، وقد حدثه بهذا الحديث : أرأيت إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به ؟ قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار ، وليجئ هذا فينقذك .

19323 - وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، وأن يؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك كله حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا .

19224 - حدثنا سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما الطاعة في المعروف " في حديث ذكره .

[ ص: 38 ] 19325 - قال : وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر ، قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، قال أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة " .

19326 - وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب وهشام عن محمد ، عن عمران بن حصين والحكم الغفاري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لا طاعة لبشر في معصية الله " .

[ ص: 39 ] 19327 - وأما قوله : ألا ننازع الأمر أهله ، فقد اختلف الناس في ذلك ، فقال القائلون منهم : أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين : مع القوة على القيام بذلك ، فهؤلاء لا ينازعون ؛ لأنهم أهله ، وأما أهل الجور والفسق والظلم ، فليسوا بأهل له .

19328 - واحتجوا بقول الله - عز وجل - لإبراهيم : إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ البقرة : 124 ] .

19329 - ذهب إلى هذا طائفة من السلف الصالح ، واتبعهم بذلك خلف من الفضلاء والقراء والعلماء من أهل المدينة والعراق .

19330 - وبهذا خرج ابن الزبير ، والحسين على يزيد ، وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج ، ولهذا أخرج أهل المدينة بني أمية عنهم وقاموا عليهم ، فكانت الحرة .

[ ص: 40 ] 19331 - وبهذه اللفظة ، وما كان مثلها في معناها مذهب تعلقت به طائفة من المعتزلة ، وهو مذهب جماعة الخوارج .

19332 - وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا : هذا هو الاختيار أن يكون [ ص: 41 ] الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة ، فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه ؛ لأن في منازعته والخروج عليه : استبدال الأمن بالخوف ، وإراقة الدماء ، وانطلاق أيدي الدهماء ، وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر .

19333 - روى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، قال : قال ابن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية : إن كان خير رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا .

19334 - وقد ذكرنا في " التمهيد " آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى ، وبالله التوفيق .

19335 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أشهب بن عبد العزيز ، قال : قال مالك : لا تنبغي الإقامة في أرض يكون فيها العمل بغير الحق ، والسنة للسلف .

19336 - وروى معن بن عيسى وغيره عن مالك أنه كان يقول : ليس لمن سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفيء حق .

19337 - ويقول : قد قسم الله تعالى في سورة الحشر للفقراء المهاجرين الآية والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] .

[ ص: 42 ] 19338 - قال : ومن سب من أمره الله تعالى أن يستغفر له ، فلا حق له في الفيء .

19339 - قال أبو عمر : أما قول مالك : لا تنبغي الإقامة في بلد يعمل فيه بغير الحق ، فمعناه : إذا وجد بلد يعمل فيه بالحق في الأغلب .

19340 - وقد قال عمر بن عبد العزيز : فلان بالمدينة ، وفلان بمكة ، وفلان باليمن ، وفلان بالعراق ، وفلان بالشام ، وامتلأت الأرض والله ظلما وجورا .

19341 - قال أبو عمر : فأين المهرب إلا في السكوت واللزوم في البيوت بالرضا بأقل قوت ؟ .

19342 - وأما قوله : أن نقول أو نقوم بالحق ، فالشك من المحدث مالك أو من فوقه .

19343 - وأما قوله : لا نخاف في الله لومة لائم ، فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه على حساب طاقته من قول وعمل على ما تقدم شرطنا ما لم يكن انطلاق الدهماء ، وإراقة الدماء ، ولكن على المؤمن أن يغير بلسانه إن عجز عن يده ، فإن لم يأمن المكروه ، فعليه أن يغير كما قال ابن مسعود : بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا يعلم الله به من قلبه أنه له كاره .

19344 - رواه شعبة ، عن عبد الله بن عمير ، عن الربيع بن عميلة ، عن ابن مسعود .

[ ص: 43 ] 19345 - وروى طارق بن شهاب ، عن ابن مسعود أن جاءه عتريس بن عرقوب ، فقال : هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فقال ابن مسعود : بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه .

19346 - رواه شعبة وسفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب .

19347 - وروى شعبة ، عن معاوية بن إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : أأمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ؟ فقال : إن خشيت أن تقتل فلا .

19348 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها وأضعافها في هذا المعنى في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية