الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
979 [ ص: 50 ] ( 2 ) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

935 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أنه قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو .

قال مالك : وإنما ذلك ، مخافة أن يناله العدو .


19366 - قال أبو عمر : هكذا قال يحيى والقعنبي ، وابن بكير ، وأكثر الرواة .

[ ص: 51 ] 19367 - وقال ابن وهب ، عن مالك في آخره : خشية أن يناله العدو ، ولم يجعله من قول مالك .

19368 - وكذلك قال عبد الله بن عمر ، والليث ، وأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو .

19369 - وكذلك رواه إسماعيل بن أمية ، وليث بن أبي سليم عن نافع ، عن ابن عمر ، وهو لفظ مرفوع صحيح .

19370 - وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه .

19371 - واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير .

19372 - فقال مالك : لا يسافر فيه بالقرآن إلى أرض العدو ، ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير .

19373 - وقال أبو حنيفة : يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا بالعسكر العظيم ، فإنه لا بأس بذلك .

19374 - واختلفوا في هذا الباب في تعليم الكافر القرآن :

19375 - فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي ، والذمي : القرآن ، والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام .

19376 - وقال مالك : لا يعلم القرآن ولا الكتاب ، وكره رقية أهل الكتاب .

19377 - وعن الشافعي روايتان :

( أحدها ) : الكراهية .

( والأخرى ) : الجواز .

[ ص: 52 ] 19378 - قال أبو عمر : الحجة لمن كره ذلك قول الله - عز وجل - : إنما المشركون نجس وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " لا يمس القرآن إلا طاهر " ، ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار ، والنجاسات ، وفي كونه عند أهل الكفر نقض له بذلك وإهانة له ، وكلهم أنجاس لا يغتسلون من نجاسة ، ولا يعافون ميتة .

19379 - وقد كره مالك وغيره أن يعطى الكفار دينارا أو درهما فيه سورة أو آية من كتاب الله تعالى ، وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة ، أو سورة ، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم إذا كان فيهما اسم من أسماء الله .

19380 - فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن عليها القرآن ولا اسم الله ، ولا ذكر له ، لأنها كانت من ضرب الروم ، وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان .

19381 - فإن قيل : أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله ؟ قال : أما إذا ما دعي إلى الإسلام ، أو كانت ضرورة إلى ذلك ، فلا بأس به ؛ لما [ ص: 53 ] رواه الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : أخبرني أبو سفيان بن حرب ، فذكر قصة هرقل وحديثه ، قال : هذا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاء الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يزيد الله أجرك مرتين ، فإن توليت ، فإن عليك إثم الأريسيين ، قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا الآية [ 64 من سورة آل عمران ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية