الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 119 ] ( 8 ) باب ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس

19650 - قال مالك : لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ، ما وجدوا من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم .

[ ص: 120 ] 19651 - قال مالك : وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام . يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو ، كما يأكلون من الطعام ، ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم ، ويقسم بينهم ، أضر ذلك بالجيوش ، فلا أرى بأسا بما أكل من ذلك كله ، وعلى وجه المعروف ، ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئا يرجع به إلى أهله .

19652 - وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام في أرض العدو ، فيأكل منه ويتزود ، فيفضل منه شيء أيصلح له أن يحبسه فيأكله في أهله ، أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه ؟ قال مالك : إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين ، وإن بلغ به بلده ، فلا أرى بأسا أن يأكله وينتفع به ، وإذا كان يسيرا تافها ؛ ما لم يعتقده مالا .


19653 - قال أبو عمر : أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة طعام الحربيين مادام المسلمون في أرض الحرب يأكلون منه قدر حاجتهم ، وجاءت بذلك آثار مرفوعة من قبل أخبار الآحاد العدول من حديث ابن عمر ، وحديث ابن مغفل وحديث ابن أبي أوفى .

[ ص: 121 ] 19654 - وقد ذكرناها في : " التمهيد " .

19655 - وجملة قول مالك ، والثوري ، وأبي حنيفة ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والشافعي : أنه لا بأس أن يأكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام ، وكذلك ذبح الأنعام للأكل .

19656 - وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور .

19657 - وكان ابن شهاب الزهري لا يرى أخذ الطعام في أرض الحرب إلا بإذن الإمام 19658 - ذكره عنه معمر وغيره ، ولا أعلم أحدا قاله غيره .

19659 - وروى الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قالوا : كانوا يرخصون للغزاة في الطعام والعلف .

19660 - وكره الجمهور من أهل العلم أن يخرج شيء من الطعام إلى أرض الإسلام إذا كان له قيمة ، أو كانت للناس رغبة ، وحكموا الذي يحكم لقسمة [ ص: 122 ] الغنيمة فإن أخرجه ، رده في المقاسم إن أمكنه وإلا باعه ونظر في ثمنه .

19661 - وقال الأوزاعي : ما أخرجه من ذلك إلى دار الإسلام ، فهو له أيضا .

19662 - قال أبو عمر : روى بشر بن عبادة ، عن عبادة بن نسي ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل ، أنه قال : كلوا لحم الشاة وردوا بها إلى المغنم فإن له ثمنا .

19663 - وسنذكر في باب الغلول ما للعلماء من المذاهب في تقبل ما لا يؤكل من الغنيمة والانتفاع بالأعيان منها في دار الحرب ، وبيع الناقة من فضلة الطعام ، وأخذ المباحات ، في أرضهم ما لم يكونوا يملكونه ، كعود النشاب والسروج وصعود الصيد ، وحجر السن ، ونحو ذلك - إن شاء الله .

19664 - وإنما ذكرنا في هذا الباب الطعام خاصة لخلاف غيره له في الحكم ؛ ولأن ترجمة الباب تضمنت الأكل دون غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية