الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 123 ] ( 9 ) باب ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو

945 - ذكر مالك ؛ أنه بلغه أن عبدا لعبد الله بن عمر أبق ، وأن فرسا له عار ، فأصابهما المشركون ، ثم غنمهما المسلمون ، فردا على عبد الله بن عمر ، وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم .

19665 - قال مالك : فيما يصيب العدو من أموال المسلمين : إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله . وأما ما وقعت فيه المقاسم ، فلا يرد على أحد .

19666 - وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ، ثم غنمه المسلمون ، قال مالك : صاحبه أولى به بغير ثمن ، ولا قيمة ولا غرم ، ما لم تصبه المقاسم . فإن وقعت فيه المقاسم ، فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن ، إن شاء الله .


[ ص: 124 ] 19667 - قال أبو عمر : أما خبر ابن عمر في العبد والفرس ، فذكر أبو إسحاق الفزاري ، عن موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر أن غلاما له أبق إلى الروم ، وفرسا له هرب ، فأخذها المشركون ، فردا إلى عبد الله بن عمر ، وعلى المسلمين يومئذ خالد بن الوليد .

قال موسى : وذلك عام اليرموك .

19668 - قال أبو عمر : يختلفون على نافع في هذا الحديث - والصحيح إن شاء الله - أن أحدهما رده عليه رسول الله صلى الله عليه سلم ، والثاني رده خالد بن الوليد .

19669 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر : قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، ومحمد بن سليمان الأنباري ، قالا : حدثنا عبد الله بن نمير : عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه ذهبت له فرس ، فأخذها العدو فغار عليهم المسلمون فرده عليه ، يعني خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه سلم .

19670 - وروى معمر : عن أيوب عن نافع ، عن ابن عمر : قال : أبق غلام لي يوم اليرموك ، ثم ظهر عليه المسلمون ، فردوه إلي .

19671 - وروى ابن جريج قال : سمعت نافعا يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد فرسه ، فرده إلى عبد الله بن عمر .

19671 - قال أبو عمر : رواية عبيد الله بن عمر عن نافع أولى بالصواب في [ ص: 125 ] ذلك ، إن شاء الله .

19672 - وللعلماء في هذه المسألة أقوال : ( أحدها ) : أن ما صار من أموال المسلمين إلى الكفار بغلبة من الكفار أو غير غلبة ، ثم ظفر به المسلمون ، فإنه يرد إلى صاحبه ، وعلم وثبت ذلك قبل القسم بلا شيء ، وإن أراده بعد القسمة ، فهو أحق بالقيمة .

19673 - وهو قول مالك ، والثوري والحسن بن حي .

19674 - وروي مثل هذا عن عمر بن الخطاب وسلمان بن ربيعة الباهلي .

19675 - وهو قول عطاء .

19676 - وبه قال أحمد بن حنبل .

19677 - ( وقول ثان ) : أنهما غلبا عليه الكفار ، وجاوزوه ثم غنمه المسلمون فحاله ما ذكرنا .

19678 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري ، قالوا : وأما ما صار إلى المشركين من غير غلبة ، فصاحبه أحق به قبل القسم ، وبعده بلا شيء .

19679 - ( والقول الثالث ) : إن ما غلب عليه الكفار من أموال المسلمين : وما أبق إليهم من رقيق المسلمين من غير غلبة منهم ، ثم غنمه المسلمون ، فكل ذلك سواء هو لصاحبه ، بلا شيء قبل القسم وبعده .

19680 - وهو قول الشافعي ، به قال أبو ثور .

19681 - وعن الأوزاعي روايتان : ( أحدهما ) مثل قول أبي حنيفة ، ( والثانية ) : مثل قول مالك .

[ ص: 126 ] 19682 - وقال الثوري في العبد يأبق إلى العدو ، ثم يصيبه المسلمون أن صاحبه أحق به قسم أو لم يقسم .

19683 - وقال الأوزاعي : إن دخل العبد القسم من حصون العدو ، قسم مع أموال أهل الحصن ويكون فيئا ، وإن لم يرد الحصن رد إلى مولاه .

19684 - وفي المسألة قول رابع ، قاله الزهري وعبد الله بن دينار قال : ما أحرزه العدو ، ثم غنمه المسلمون ، فهو لجماعة المسلمين يقسمه المسلمون ، ولا يرد إلى صاحبه ، هو للجيش .

19685 - ذكر ابن أبي شيبة : قال : حدثنا عبد الله بن سليمان ، عن سعيد عن قتادة قال : قال علي ( رضي الله عنه ) : هو للمسلمين عامة ، لأنه كان لهم مالا .

19686 - وروى سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : قال علي فيما قسم : ما أحرزه العدو فظهر عليه صاحبه فهو أحق به بالغنيمة .

19687 - وهذا خلاف ما ذكره أبو بكر ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه أن عليا كان يقول فيما أحرزه العدو من أموال المسلمين أنه بمنزلتهم .

19688 - قال : وكان الحسن يفتي بذلك .

19689 - قال أبو عمر : هذه رواية لسليمان التيمي ، عن الحسن .

19690 - وقد روى هشيم : عن مغيرة ، عن إبراهيم ، وعن يونس بن جبير ، قالا : ما أحرزه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون وعرفه صاحبه فهو أحق [ ص: 127 ] به ما لم يقسم ، فإذا قسم فقد مضى .

19691 - ذكره أبو بكر بن هشيم ، قال : وحدثنا إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد مثله .

19692 - قال أبو عمر : احتج الشافعي لمذهبه بحديث عمران بن حصين قال : أغار المشركون على صاحب المدينة وأحرزوا العضباء ، وامرأة من المسلمين فلما كان ذات ليلة قامت المرأة ، وقد ناموا ، فجعلت ما تضع يدها على بعير إلا رغا حتى تأتي العضباء ، فأتت على ناقة ذلول ، فركبتها ، ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله نجاها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ، فأتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته المرأة بنذرها ، فقال بئسما جزيتيها ، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية .

19693 - رواه حماد بن زيد ، وابن علية ، وعبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين .

19694 - وفي رواية بعضهم ، عن أيوب : فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

19695 - قال الشافعي : فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ، ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة ، كسائر أموالهم لو أخذت [ ص: 128 ] شيئا منها ، ولو صح فيها نذرها .

19696 - وقد فضل الله المسلمين بأن لا يملك شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم ، ولا يرثها عنهم إلا أهل دينهم .

19697 - واحتج المخالفون للشافعي عليه بما رواه الحسن بن عمارة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس عن ابن عباس : أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة .

19698 - قال أبو عمر : الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه ، وترك الاحتجاج بحديثه .

19699 - وذكر الطحاوي أن علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل سعدا عن هذا الحديث فقال له من حديث عبد الملك بن ميسرة .

[ ص: 129 ] 19700 - وروى وكيع ، وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن تميم بن طرفة ، قال : أصاب المشركون ناقة لرجل من المسلمين ، فاشتراها رجل من المسلمين من العدو فعرفها صاحبها فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأقام البينة فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أن يدفع له الثمن الذي اشتراها به من العدو ، وإلا خلى بينه وبينها .

التالي السابق


الخدمات العلمية