الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
995 951 - وذكر في هذا الباب :

عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ؛ أن زيد بن خالد الجهني قال : توفي رجل يوم حنين ، وإنهم ذكروه [ ص: 193 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فزعم زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه الناس لذلك . فزعم زيد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن صاحبكم قد غل في سبيل الله " ، قال ففتحنا متاعه ، فوجدنا خرزات من خرز يهود ، ما تساوين درهمين .


20010 - قال أبو عمر : هكذا رواه يحيى بن يحيى ، عن محمد بن يحيى بن حبان : أن زيد بن خالد لم يقل عن أبي عمرة ، ولا عن ابن أبي عمرة .

20011 - وهو غلط منه ، وسقط من كتابه ذكر أبي عمرة ، أو ابن أبي عمرة .

[ ص: 194 ] 20012 - واختلف أصحاب مالك في أبي عمرة بن أبي عمرة في هذا الحديث : 20013 - فقال القعنبي وابن القاسم ومعن بن عيسى وأبو مصعب ، وسعيد بن كثير بن عفير ، وأكثر النسخ عن ابن بكير ، قالوا كلهم في هذا الحديث : عن محمد بن يحيى بن حبان : عن ابن أبي عمرة " .

20014 - وقال ابن وهب ، ومصعب الزبيري ، عن مالك عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن أبي عمرة " .

20015 - ورواه حماد بن زيد وابن جريج وابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، " عن أبي عمرة " ، كما قال ابن وهب .

20016 - وعند أكثر شيوخنا في هذا الحديث في " الموطأ " : توفي رجل يوم حنين ، وهو وهم ، وإنما هو يوم خيبر ، وعلى ذلك . جماعة الرواة ، وهو الصحيح .

20017 - والدليل على ذلك قوله في الحديث : " فوجدنا خرزات من خرز يهود " ، ولم يكن بحنين يهود .

20018 - وإنما قوله عليه السلام : " صلوا على صاحبكم " ، بأن ذلك كان كالتشديد لغير الميت ، من أجل أن الميت قد غل لينتهي الناس عن الغلول ؛ لما رأوا من ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه بنفسه ، وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة ، فلهذا لم يصل عليه ، والله أعلم .

20019 - وفي قوله " صلوا على صاحبكم ، دليل على : أن الذنوب لا تخرج [ ص: 195 ] المذنب عن الإيمان ؛ لأنه لو كفر بغلوله - كما زعمت الخوارج - لم يكن ليأمر بالصلاة عليه ؛ لأن الكافر لا يصلي عليه المسلمون ، لا أهل الفضل ، ولا غيرهم .

20020 - وأما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه ؛ وأمر غيره بالصلاة عليه ، لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر .

20021 - ألا ترى أنه لم يصل على ماعز الأسلمي ، وأمر غيره بالصلاة عليه ، ولم يصل على الذي قتل نفسه ، ولا على كثير ممن أقام عليه الحدود ، ليكون ذلك زاجرا لمن خلفهم ونحو ذلك .

20022 - وهذا أصل في ألا يصلي الإمام وأئمة الدين على المحدثين ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم ، بل يأمر بذلك غيره ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " صلوا على صاحبكم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية