الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1001 957 - وذكر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال والذي نفسي بيده ، لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة ، وجرحه يثعب دما [ ص: 218 ] اللون لون دم . والريح ريح المسك .


20112 - قال أبو عمر : في هذا الحديث فضل الغزو والثبوت عند لقاء العدو .

20113 - وقوله لا يكلم أحد ، معناه : لا يجرح ، والكلوم : الجراح عند العرب .

20114 - وقوله : " يثعب دما " ، معناه يتفجر دما .

20115 - وقوله : في سبيل الله ، فمعناه الجهاد وملاقاة أهل الحرب من الكفار .

20116 - على هذا خرج الحديث ، ويدخل فيه بالمعنى كل من جرح في سبيل بر ، وحق مما أباحه الله ، كقتال أهل البغي والخوارج وغيرهم ، واللصوص [ ص: 219 ] والمحاربين ، أو آمر بمعروف أو ناه عن منكر .

20117 - إلا ترى قوله - عليه السلام : " من قتل دون ماله ، فهو شهيد " .

20118 - وأما قوله - عليه السلام " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " . إنه كذلك على أنه ليس كل من خرج في الغزو ، تكون هذه حاله ، حتى تصح له نية ، ويعلم الله تعالى من قلبه أنه يريد وجهه ومرضاته ، ولم يخرج رياء ولا مباهاة ولا سمعة ، ولا فخرا ، ولا ابتغاء دنيا يقصدها .

20119 - وفي هذا الحديث دليل على أن الشهيد يبعث على حاله التي قبض عليها وهيئته ، بدليل هذا الحديث .

20120 - ومثله حديث ابن عباس في المحرم ، الذي وقصته ناقته ، فقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تخمروا وجهه ولا رأسه ، ولا تقربوه طيبا ، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي .

[ ص: 220 ] 20121 - وقد زعم بعض أهل العلم قوله - صلى الله عليه وسلم - : يبعث الميت في ثيابه التي قبض فيها ، أي يعاد خلق ثيابه له ، كما يعاد خلقه .

20122 - وقال غيره : إنما ذلك قول خرج على المجاز فكنى بالثياب عن الأعمال والثياب ، كما يقال : ظاهر الثوب ، ونقي الجيب .

20123 - قال أبو عمر : وحمل هذا الحديث على المجاز ، مروي من حديث ابن عباس وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : يحشر الناس عراة غرلا ، وأول من [ ص: 221 ] يكسى إبراهيم " .

20124 - فعلى هذا يحتمل أن يبعث على ما مات عليه من كفر وإيمان وشك وإخلاص ، ونحو ذلك .

20125 - والحقيقة في كل ما يحتملها اللفظ من الكتاب والسنة أولى من المجاز ، لأن الذي يعيده خلقا سويا ، يعيد ثيابه - إن شاء .

20126 - وإن كان قد روي بالوجه الآخر خبر ذكره أبو داود في باب من يغزو ، ويلتمس الدنيا ، إسناده عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال : يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو ، فقال : " يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابرا محتسبا ، بعثك الله صابرا محتسبا ، وإن قاتلت مكاثرا ، بعثك الله مرائيا مكاثرا يا عبد الله بن عمرو ، على أي حال قاتلت أو قتلت ، بعثك الله تيك الحال .

20127 - وقد استدل قوم من الفقهاء الذين يذهبون إلى ألا عمل على الشهيد المقتول في المعركة وغيرها بهذا الحديث ، وجائز أن يحتج به من خص قتل [ ص: 222 ] الكفار في المعركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية