الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1004 [ ص: 233 ] 960 - قال أبو عمر : وفي هذا الباب :

مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ؛ فإنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم ؟ أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ، " فبكى أبو بكر . ثم بكى . ثم قال : أئنا لكائنون بعدك " .


20166 - قال أبو عمر : هذا حديث منقطع ، لم يختلف عن مالك في انقطاعه .

20167 - وقد روي معناه مسندا متصلا من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر ، وحديث أنس وغيره .

20168 - منها : حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما ، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : " أنا فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض وإني - والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

20169 - ذكره البخاري ، قال : حدثنا عمرو بن خالد ، قال : حدثنا الليث ، [ ص: 234 ] فذكره .

20170 - قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لشهداء أحد هؤلاء ، أشهد عليهم " ، يقول : " أنا أشهد لهم " ، وقد تكون بمعنى لهم في لسان العرب ، ويكون لهم بما عليهم أيضا ، يقول : أنا شهيد لهم بأنهم صدقوا بما عاهدوا الله عليه من الإيمان ، والجهاد في سبيله وطاعته وطاعة رسوله ، حتى ماتوا على ذلك ، ومن كانت هذه حالته ، فقد وعده الله الجنة ، والله لا يخلف الميعاد .

20171 - فهذه شهادة لهم قاطعة بالجنة ، ويعضد هذا قول الله تعالى في الشهداء أنهم - : أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 69 ] .

20172 - وفي شهداء أحد نزلت هذه الآية ، والشهادة لهم بالجنة ، ما لا خلاف ، ولا شيء في معانيه ؛ لأنهم ماتوا ذابين عن دين الله ، وعن رسوله بهذه الحالة هي النهاية في الفصل مع السلامة من التبديل والتغيير ، وموبقات الذنوب التي أكثر أسبابها الإفراط في حب الدنيا والمنافسة فيها .

20173 - ولشهداء أحد عندنا كل من مات بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا في غزوة غزاها أو سرية بعثها .

[ ص: 235 ] 20174 - وكذلك من مات على فراشه في عصارة إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره بمن لم يلبس من الدنيا بما يدنسه .

20175 - وأما قوله في حديث مالك : " بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ، فإن الخطاب توجه إلى أبي بكر الصديق ومن كان معه . والمراد به أصحابه وكل من آمن به من الكائنين بعده ، إلا أن أهل بدر والحديبية من شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، فقال : " لن يلج النار أحد شهد بدرا والحديبية " ، ، كما شهد للشهداء الذين استشهدوا بين يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال " أنا شهيد لهؤلاء " .

[ ص: 236 ] 20176 - وقد ذهب قوم من جلة العلماء إلى القطع : أن من مات في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشهداء ، مثل : حمزة ، وجعفر ، ومصعب بن عمير ، وسعد بن معاذ ، ومن جرى مجراهم ممن موتهم قبله ، وصلى عليهم ، وشهد بالجنة لهم ، أفضل ممن بقي بعده من أصحابه الذي قال فيهم : ألا لا أدري ما تحدثون بعدي ، وخاف عليهم من الفتنة والميل إلى الدنيا ، ما قد وقع فيه بعضهم .

20177 - وقالوا : معنى قول من قال : أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، أو فلان وفلان ، يعني من بقي بعده - صلى الله عليه وسلم - .

20178 - وقال جماعة من أهل العلم : أفضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسائر أهل بدر ، والحديبية ، لم يستثنوا من مات في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن بقي بعده .

20179 - قال أبو عمر : والذي عندي في هذا الباب مما يصح في التأمل والنظر وصحيح الاعتبار والأثر ما شهد له الكتاب والسنة والأصول المجتمع عليها أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ممن شهد العقبة ، ثم شهد بدرا والحديبية ، أفضل من كل من لم يدرك تلك المشاهد ، ولم يشهدها ؛ لأن هؤلاء من شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفضل ، وقال : " لن يدخل النار من شهد بدرا والحديبية .

[ ص: 237 ] 20180 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال :

" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
" .

[ ص: 238 ] 20181 - وحسبك بقول الله - عز وجل - : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا [ الحديد : 10 ] .

20182 - وقد مضى القول فيمن مات شهيدا في حياته ، ومن مات ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راض عنه .

20183 - وأما الباقون بعده ، فهذه الجملة من القول عامة فيهم مع ثناء الله ( - عز وجل - ) عليهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، وأنهم رضوا عنه ، ورضي عنهم ، وحسبك بهذا .

20184 - وأما التعيين فيهم ، وتفضيل بعضهم على بعض ، فهذا لا يصح في نظر ولا اعتبار ، ولا يحيط بذلك إلا الواحد القهار المطلع على النيات الحافظ للأعمال ، إلا من جاء فيه أثر صحيح بأنه في الجنة ، جاز أن يقال فيه ذلك اتباعا للأثر ، لا أنه أفضل من الذين شاركوه في مثل فضله ذلك ، ومن فضله رسول الله [ ص: 239 ] - صلى الله عليه وسلم - بخصلة ، وشهد له بها جاز أن يفضل بها في نفسه ، لا على غيره .

20185 - وقد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجماعة من أصحابه بفضائل وخصائل من الخير كثيرة أثنى بها عليهم ، ووصف كل واحد منهم بخصلة منها ، أفرده بها ، ولم يترك معه غيره فيها .

20186 - ولم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح ، تجب الحجة بمثله أنه قال : فلان أفضل من فلان إذا كانا جميعا من أهل السوابق والفضائل ، وذلك من أدبه ، ومحاسن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لئلا يومئ للمفضول بغيبة ، ويحطه في نفسه فيحرجه ويخزيه ، ولم يكن ذلك أيضا من دينه ؛ لأنه لم يعلم من غيب أمورهم وحقائق شأنهم ، إلا ما أطلعه الله عليه من ذلك ، وكان لا يقدم بين يدي ربه ، ولو كان ذلك من دينه ، لأفشاه ، إن علمه ، ومن أخذ عليه الميثاق في تعليمه وتبليغه ، فلما لم يفعل ، علمنا أن قول القائل : فلان أفضل من فلان ، باطل ، وليس بدين ولا شريعة .

20187 - وقد أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب : من أفضل عبادي ، ولا هل فلان أفضل من فلان ، ولا ذلك مما يسأل عنه أحد في القبر ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مدح خصالا ، وحمد أوصافا من اهتدى إليها حاز الفضائل ، وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمره على من لم ينلها ، ومن قصر عنها ، لم يبلغ من الفضل منزلة من ناله .

20188 - هذا طريق التفضيل في الظاهر عند السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان .

[ ص: 240 ] 20189 - قال أبو عمر : ألا ترى الحكام إنما يقضون في التعديل والتجريح عند الشهادات بما يظهر ويغلب ، ولا يقطعون على غيب فيما به من ذلك يقضون ولم يكلفوا إلا العلم الظاهر ، والباطن إلى الله - عز وجل - .

20190 - وفي قول الله - عز وجل - : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [ البقرة : 34 ] .

20191 - وقوله تعالى : فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي [ طه : 51 ] : ما يعضد ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

20192 - وروى سحنون ، عن ابن القاسم في كتاب الديات من " المدونة " ، قال : سمعت مالكا ، وسئل عن علي وعثمان ، فقال : " ما أدركت أحدا اقتدي به في دين ، يفضل أحدهما على صاحبه .

20193 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بحر بن أبي حنيفة قال : حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، قال : حدثنا عبد السلام بن صالح ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول : لا أفضل أحدا من العشرة ، ولا غيرهم ، على صاحبه . وكان يقول : هذا من علم الله الذي لا يعلمه غيره .

20193 م - قال : وقال مالك : أدركت شيوخنا بالمدينة ، وهذا رأيهم .

20194 - قال أبو عمر : قول مالك هذا يدل على أنه لم يصح عنده حديث نافع ، عن ابن عمر ، كنا نقاتل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيقول : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم يسكت فلا يفضل أحدا وكان أفهم الناس لنافع وأعلمهم بحديثه ، وكان نافع عنده أحد الذين يقتدى بهم في دينه ، فلو كان هذا الحديث [ ص: 241 ] عنده صحيحا من حديث نافع ، عن ابن عمر ما قال قوله هذا .

20195 - وهو حديث شاذ ، لا يعضده شيء من الأصول ، وكل حديث لا أصل له ، لا حجة فيه وقد مالت العامة بجهلها إليه ، وهم مجمعون على خلافه بحيث لا يعلمون وقد نقضوه مع قولهم به ؛ لأنهم لا يختلفون في أن عليا في التفضيل رابع الأربعة .

20196 - وفي حديثهم عن ابن عمر أنهم لا يفضلون أحدا بعد عثمان ، وأنهم يسكتون بعد الثلاثة عن تفضيل أحد على أحد ، فقد نقضوا ما أبرموا ، والله المستعان على جهل عامة هذا الزمان .

20197 - أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن ومحمد بن زكريا ، وعبد الرحمن بن يحيى ، قالوا : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا مروان بن عبد الملك ، قال : سمعت هارون بن إسحاق يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : من قال : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعرف لعلي سابقته وفضله ، فهو صاحب سنة ، ومن قال : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ، وهو عارف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة ، فذكرت له هؤلاء الذين يقولون : أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسكتون ، فتكلم فيهم نبيهم بكلام غليظ .

20198 - وكان يحيى بن سعيد يقول : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان .

20199 - وذكر الزبير بن بكار قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك بن أنس ، قال : ليس من أمر الناس الذين مضوا التفضيل بين الناس .

[ ص: 242 ] 20200 - ذكره المغامي ، عن الزبير بن بكار ، عن إسماعيل ، عن مالك في كتابه : " فضائل مالك " .

20201 - وقد عورض حديث ابن عمر هذا بحديث عبد الله بن مسعود .

20202 - روى شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال " كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب " .

20203 - وهذا عندي حديث فيه تصحيف ممن رواه عن شعبة هكذا .

20204 - إنما المحفوظ فيه عن ابن مسعود أنه قال : كنا نتحدث أن أمضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ، هكذا من القضاء ، لا من الفضل .

20205 - وقد عارضوا حديث عمر أيضا بقول حذيفة .

20206 - حدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا نفير بن مخلد ، قال : حدثنا أبو بكر بن شيبة ، قال : حدثنا أبو معاوية الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، قال : لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ابن مسعود أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .

[ ص: 243 ] 20207 - وهذا إخبار من حذيفة عن جلة الصحابة أنهم يعلمون أن ابن مسعود أقربهم وسيلة عند الله .

20208 - وهذه شهادة له بالنهاية في الفضل ، وذلك خلاف قول ابن عمر : كنا نفاضل ، فنقول الحديث .

20209 - قال أبو عمر : كل من رد حديث جابر وحديث أبي سعيد الخدري : " كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقبله لزمه أن يرد قول ابن عمر : " كنا نفاضل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يقبله ، بل قول ابن عمر أولى بالرد ؛ لأنه لا أصل له ، ولبيع أمهات الأولاد حظر من أهل السنة المجتمع عليها .

20210 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو الشعب محمد بن أحمد بن جاد الدولابي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار . قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك بن أنس ، قال : ليس من أمر الناس الذي مضوا أن يفاضلوا بين الناس .

20211 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : سمعت مصعب بن عبد الله الوليدي ، يقول : لم يكن أحد من مشايخنا الذين أدركت ببلدنا يفضل بين أحد من العشرة ، لا مالك ، ولا غيره .

[ ص: 244 ] 20212 - وقال ابن أبي خيثمة : كان أحمد بن إبراهيم الدورقي ، يقول : لا أشهد لأحد بالجنة غير الأنبياء - عليهم السلام .

20213 - قال أبو عمر : وقد روي عن مالك - رحمه الله - تقديم الشيخين ؛ أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - من رواية ابن القاسم وغيره .

20214 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أبو بشر الدولابي ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو مصعب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : سألت مالكا فيما بيني وبينه : من تقدم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أقدم ، أبا بكر وعمر ، قال : ولم يزل على هذا .

20215 - قال أبو عمر : جماعة أهل السنة ؟ وهم أهل الفقه والآثار على تقديم أبي بكر وعمر وتولي عثمان وعلي وجماعة أصحاب النبي - عليه السلام - وذكر محاسنهم ، ونشر فضائلهم ، والاستغفار لهم .

20216 - وهذا هو الحق الذي لا يجوز عندنا خلافه ، الحمد لله .

20217 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسيد ، قال : حدثنا محمد بن مسرور ، قال : حدثنا أحمد بن مغيث قال : حدثنا الحسين بن حسن بن حرب المروزي ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير اليزني حدثه أن عقبة بن عامر الجهني حدثهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين ، كالمودع للأحياء والأموات ، ثم [ ص: 245 ] طلع على المنبر ، فقال : " إني بين أيديكم فرط ، وأنا عليكم شهيد ، وإن موعدكم الحوض ، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها " .

20218 - قال عقبة : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

20219 - وبهذا الإسناد عن ابن المبارك ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت الحسن يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه إلى بقيع الغرقد ، فقال عليه السلام : " السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه ما هو كائن بعدكم " ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال : " هؤلاء خير منكم " ، قالوا : يا رسول الله إخواننا أسلمنا كما أسلموا ، وهاجروا كما هاجرنا ، وجاهدوا كما جاهدنا ، ومضوا على آجالهم ، وبقينا في آجالنا ، فبم تجعلهم خيرا منا ؟ فقال : " إن هؤلاء خرجوا من الدنيا ، ولم يأكلوا من أجورهم شيئا ، وأنا عليهم شهيد ، أو قال : " فأنا الشهيد عليهم ، وإنكم قد أكلتم من أجوركم ، ولا أدري ما تحدثون بعدي .

20220 - قال أبو عمر : من معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا أدري ما تحدثون بعدي " ، ما ذكره البخاري قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا محمد بن مطرف ، [ ص: 246 ] قال : حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سهل ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، قال : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته ، وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني ! ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي .

20221 - قال البخاري : وحدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن عمر قال : حدثني ابن أبي مليكة ، عن أسماء بنت أبي بكر ( رضي الله عنهما ) ، قالت : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل تعرف ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم .

20222 - فكان ابن أبي مليكة ، يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا .

20223 - وروى الزبيدي وغيره ، عن الزهري ، عن محمد بن علي بن حسن ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلؤن عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال :

[ ص: 247 ] إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى
.

20224 - روى يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

20225 - وقد ذكرنا أحاديث الحوض وهي متواترة ، وتقصيناها بألفاظها وطرقها في باب خبيب بن عبد الرحمن ، من كتاب " التمهيد " ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية