الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
110 91 - إذا أصاب أحدكم المرأة ثم أراد أن ينام فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة .


ليبين أن الوضوء الذي أمر به النبي - عليه السلام - عمر بن الخطاب هو الوضوء للصلاة ، ثم أتبعه بفعل ابن عمر : أنه كان لا يغسل رجليه إذا توضأ وهو جنب للأكل ، أو للنوم . 2883 - ولم يعجب مالكا فعل ابن عمر ، وأظنه أدخله إعلاما أن ذلك الوضوء ليس بلازم . وما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه فرضا ، إلا طائفة من أهل الظاهر . وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه . وأكثرهم يأمرون به ، ويستحبونه .

[ ص: 98 ] 2884 - وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وجماعة الصحابة والتابعين .

2885 - قال مالك : لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة . قال : وله أن يعاود أهله ، ويأكل قبل أن يتوضأ إلا أن يكون في يده قذر فيغسلها .

2886 - قال : وأما الحائض فتنام قبل أن تتوضأ ، وقول الشافعي في هذا كله نحو قول مالك .

2887 - وقال الليث بن سعد : لا ينام الجنب حتى يتوضأ ، رجلا كان ، أو امرأة .

2888 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري : لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء . وأحب إليهم أن يتوضأ .

2889 - قال : فإذا أراد أن يأكل مضمض وغسل يديه ، وهو قول الحسن بن حي .

2890 - وقال الأوزاعي : الحائض والجنب إذا أرادا أن يأكلا أو يناما غسلا أيديهما .

2891 - وقال سعيد بن المسيب : إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ .

2992 - قال أبو عمر : وقد ذكرنا الآثار المرفوعة عن عمر ، وعائشة عن النبي - عليه السلام - في وضوء الجنب عند النوم ، ولم تختلف عنهما الآثار في ذلك إلا من رواية من أخطأ في الحديث عند أهل العلم به على ما بيناه في التمهيد .

2893 - واختلفت الرواية المرفوعة عن عائشة في وضوء الجنب عند النوم .

2894 - وأحسن الأسانيد عن عائشة في ذلك ما رواه ابن المبارك وغيره عن يونس عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو [ ص: 99 ] جنب توضأ . وإذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه ، ثم يأكل ، ويشرب .

2895 - وقد ذكرنا الاختلاف عنه في هذا الحديث ، وذكرنا طرق حديث عائشة ، وطرق حديث ابن عمر ، عن عمر بذلك في التمهيد .

2896 - ورواه الحكم ، عن إبراهيم ، عن الحسن ، عن عائشة أن النبي - عليه السلام - كان إذا أراد أن يأكل أو ينام - وهو جنب - توضأ .

2897 - وذكر أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل ، عن يحيى القطان ، قال : ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد أن يأكل .

2898 - وأما حجة من ذهب من الكوفيين وغيرهم إلى أن الجنب لا بأس أن ينام قبل أن يتوضأ فحديث ذكره أبو داود قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا عطاء الخرساني ، عن يحيى بن يعمر ، عن عمار بن ياسر أن النبي - عليه السلام - رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ .

2899 - وقالوا معناه : ألا يتوضأ ، لأنه في ذلك رخصة ، وهذا محتمل للتأويل لا [ ص: 100 ] حجة فيه .

2900 - قال أبو داود : وبين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر فيه رجل .

2901 - وروى سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود ، عن عائشة أن النبي - عليه السلام - كان ينام وهو جنب ، ولا يمس ماء .

2902 - قال سفيان : وهذا الحديث خطأ ، ونحن نقول به .

2903 - وقد أوضحنا قول سفيان هذا في " التمهيد " .

2904 - وقد عارض حديث ابن عمر وحديث عائشة في هذا الباب بحديث سعيد بن الحويرث عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من الخلاء فأتي بطعام فقالوا : ألا نأتيك بطهر ؟ فقال : " لا أصلي فأتطهر " وبعضهم يقول فيه : ألا تتوضأ ؟ فقال : " ما أردت الصلاة فأتوضأ " ثم تناول عرقا فأكل منه ، ولم يمس ماء .

2905 - وهو حديث صحيح ، رواه أيوب ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وابن جريج عن عمرو بن دينار . سمع سعيد بن الحويرث ، سمع ابن عباس ، وقد سمعه ابن جريج من سعيد بن الحويرث ، وطرقه في التمهيد .

2906 - قالوا : ففي هذا الحديث أن الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة ، وذلك رفع الوضوء عند النوم ، وعند الأكل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية