الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1020 وذكر مالك في هذا الباب :

976 - عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 317 ] حين خرج إلى خيبر ، أتاها ليلا ، وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح . فخرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا : محمد ، والله محمد والخميس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أكبر . خربت خيبر . إنا إذا نزلنا بساحة قوم ، فساء صباح المنذرين .


20497 - قال أبو عمر : في هذا الحديث إباحة المشي بالليل على الدواب إذا لم يكن ذلك سرمدا عليها ، واحتيج في ذلك إليها .

20498 - وفي ذلك أن الغارة على العدو تستحسن أن تكون صباحا لما في ذلك من التبيين والنجاح ، لئلا يصاب طفل ولا امرأة ولا ذرية .

20499 - حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، قال : حدثنا عبيد ، قال : حدثنا محبوب ، قال : حدثنا الفزاري . عن حميد الطويل ، قال : سمعت أنس بن مالك [ ص: 318 ] يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمع أذانا أغار بعدما يصبح .

20500 - قال أبو عمر : فإن احتيج إلى الغارة فيمن بلغته الدعوة ، جاز ذلك لحديث الصعب بن جثامة :

" هم من آبائهم " ، يريد في سقوط الدية والقول ، وفي الإثم لمن لم يتعمد ، ومن لم يقصد الطفل بعينه ، ولا المرأة .

20501 - وقد بينا ذلك فيما مضى .

20502 - وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال :

20503 - فكان مالك يقول : الدعاء أصوب بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم ، إلا إن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم .

20504 - وقال عنه ابن القاسم : لا تبييت حتى يدعوا .

20505 - وذكر الربيع ، عن الشافعي في كتاب " البويطي " ، مثل ذلك : لا يقاتل العدو حتى يدعوا ، إلا أن يعجلوا عن ذلك ، فإن لم يفعل ، فقد بلغتهم الدعوة .

20506 - وحكى المزني عنه من لم تبلغهم الدعوة لا يقاتلوا ، حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان .

[ ص: 319 ] 20507 - قال : فإن قتل منهم أحد قبل ذلك ، فعلى قاتله الدية .

20508 - وقال المزني عنه في موضع آخر : ومن بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة .

20509 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن دعوهم قبل القتال ، فحسن ، ولا بأس أن يغير عليهم .

20510 - وقال الحسن بن صالح : يعجبني كل ما حدث إمام بعد إمام ، أحدث دعوة لأهل الكفر .

20511 - قال أبو عمر : هذا قول حسن ، والدعاء قبل القتال على كل حال حسن ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر سراياه بذلك .

20512 - فمن ذلك حديث بريدة الأسلمي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان " إذا بعث أميرا على سرية أو جيش ، فذكر الحديث ، وفيه : " فإذا لقيت العدو من المشركين ، فادعهم إلى أحد ثلاث خصال ، فأيتها أجابوك إليها ، فاقبل منهم ، وكف عنهم : ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك ، فاقبل منهم ، وكف عنهم " .

وفيه : " فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا ، فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن هم أبوا ، فاستعن بالله ، وقاتلهم " .

وفي الحديث غير هذا اختصرته ، وهو محفوظ .

20513 - وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عمر بن يحيى ، [ ص: 320 ] قال : حدثنا علي بن حرب ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : ما قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما حتى يدعوهم .

20514 - وفي حديث سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليا لقتال خيبر ، وتفل في عينيه ، قال : على رسلك ، حتى تنزل ساحتهم ، فإذا نزلت ساحتهم ، فادعهم إلى الإسلام ، وذكر الحديث .

[ ص: 321 ] 20515 - ولا جناح على من بيت من بلغته الدعوة لحديث الصعب بن جثامة ، ولحديث سلمة بن الأكوع ، قال : أمر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر يغزونا ناسا فبيتناهم فقتلناهم ، وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت .

20516 - وأما قوله في الحديث : محمد والخميس فالخميس : العسكر .

20517 - وقد ذكرنا شواهد ذلك من التغير في " التمهيد " .

20518 - وأما قوله : " نزلنا بساحة قوم ما بساحة " الساحة : عرصة الدار .

20519 - وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن .



التالي السابق


الخدمات العلمية