الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1023 [ ص: 342 ] ( 21 ) باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته

978 - ذكر فيه مالك ، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ؛ أنه بلغه : أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو ، الأنصاري ، ثم السلميين ، كانا قد حفر السيل قبرهما . وكان قبرهما مما يلي السيل . وكانا في قبر واحد . وهما ممن استشهد يوم أحد . فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما . فوجدا لم يتغيرا ، كأنهما ماتا بالأمس . وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن وهو كذلك . فأميطت يده عن جرحه ، ثم أرسلت ، فرجعت كما كانت . وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ، ست وأربعون سنة .

20619 - قال مالك : لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد . من ضرورة ، ويجعل الأكبر مما يلي القبلة .


20620 - قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ ، لم يختلف الرواة فيه ، [ ص: 343 ] وهو متصل معناه من وجوه صحاح .

20621 - وأما عمرو بن الجموح ، فهو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام .

20622 - وأما عبد الله بن عمرو ، فهو عبد الله بن عمرو بن حرام ، وكلاهما من بني سلمة من الأنصار ، وقد ذكرت نسبهما في كتاب " الصحابة " ، فلا خلاف بين أهل السير والآثار والعلم بالخبر أنهما قتلا يوم أحد ، وأنهما دفنا في قبر واحد ، وكانا صهرين .

20623 - وكانت السيرة باتفاق من الآثار والعلماء بالسيرة والأخبار في قتلى أحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما اشتد عليهم الحفر ككل إنسان ، وكانوا قد مسهم القرح ، قال لهم : احفروا وأعمقوا ووسعوا وادفنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ، وقدموا أكثرهم قرآنا .

20624 - وقد ذكرنا الآثار بذلك في " التمهيد " .

20625 - وفي الحديث من الفقه أن دفن الرجلين والثلاثة في قبر ، لا يكون إلا [ ص: 344 ] من ضرورة ، كما قال مالك ، وإلا فالسنة المنقولة بنقل الكافة أن يدفن كل واحد في قبر ، فإن كانت ضرورة كانت في أهل أحد أسوة حسنة ، فإن قدم في القبر إلى القبلة : الأكبر ، فلا حرج ، وإن قدم الأكثر قرآنا فحسن ، والمعنى في ذلك من إمامته في الصلاة ، وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة .

20626 - وفيه أيضا دليل على تعليم السير والخبر والوقوف على آثار من مضى .

20627 - وفيه : لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة ، فأريد به الخير ، وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش .

20628 - وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم ، وممكن أن يكون في قتلى أحد خاصة ، إلا أنه قد وردت آثار توجب دخول غيرهم معهم في ذلك ، وقد تدعى المشاهدة في مثل هذا ، والله أعلم .

20629 - وأما الأحاديث المتصلة في هذا الباب ، فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل ، قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا حسان بن غالب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد ، وأجرى معاوية العين ، فاستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم - تتثنى أطرافهم .

20630 - وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، قال : - حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال : حدثنا [ ص: 345 ] سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد ، نودي بالمدينة : من كان له قتيل ، فليأت قتيله .

20631 - قال جابر : فأتيناهم ، فأخرجناهم ، رطابا يتثنون ، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم ، فانفطرت دما .

20632 - قال أبو سعيد الخدري : لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا .

20633 - قال أبو عمر : لا أدري من القائل ؟ .

20634 - قال أبو سعيد : أجابر قاله أم أبو الزبير ؟ لأنه لم يجد لأبي سعيد في الإسناد ذكرا .

20635 - وقد روي أن الذي أصبت أصبعه دما كان حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - .

20636 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن معمر الجوهري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج ، قال : حدثنا حامد بن سليمان وحامد بن يحيى ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، واللفظ ليحيى ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما أراد معاوية أن يجري العين التي إلى أحد أمر مناديا نادى بالمدينة : من كان له قتيل ، فليخرج وليباشر تحوله .

20637 - قال جابر : فأتيناهم ، فأخرجناهم ، من قبورهم رطابا يتثنون ، يعني [ ص: 346 ] شهداء أحد .

20638 - قال : فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم ، فانفطرت دما .

20639 - قال أبو سعيد : لا أنكر بعد هذا منكرا .

20640 - قال يحيى بن سليمان : قال لنا سفيان : بلغني أنه حمزة بن عبد المطلب .

20641 - وقد روي عن جابر بإسناد صحيح أنه أخرج أباه من قبره بعد ستة أشهر أو سبعة .

20642 - وهذا لا محالة وقت غير ذلك الوقت ، ومدة غير هذه المدة ، ولم يفعل ذلك جابر إلا إرادة أن يكون في قبره واحدا ، وذلك بين في الحديث .

20643 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا خالد بن حراش ، قال : حدثنا غسان بن مضر ، قال : حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : دعاني أبي ، وقد حضر أحدا ، فقال لي : يا جابر ! إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لك أخوات ، فاستوص لهن خيرا ، وإني علي دين ، فاقضه عني .

قال : فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 347 ] قال : فدفناه هو وآخر في قبر واحد ، وكان في نفسي منه شيء ، فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته .

20644 - وروى هذا الحديث شعبة عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة عن جابر مثله ، سواء بمعناه ، إلا أنه قال : بعد ستة أشهر أو سبعة .

20645 - وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن سعيد بن يزيد أبي سلمة عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال : دفن مع أبي رجل ، وكان في نفسي من ذلك حاجة ، فأخرجته بعد ستة أشهر ، فما أنكرت منه شيئا ، إلا شعيرات كن في لحيته ، مما يلي الأرض .



التالي السابق


الخدمات العلمية