الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1025 22 - كتاب النذور والأيمان [ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم ( 1 ) باب ما يجب من النذر في المشي 980 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، أن سعد بن عبادة ، استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر ، ولم تقضه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقضه عنها " .


[ ص: 8 ] 20684 - كذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت . ورواه حماد بن خالد ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : أن سعدا قال : يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت ؟ قال : " نعم " ، قال : فما تأمرني ؟ قال " أسق الماء " .

20685 - ذكره الدارقطني عن عبد العزيز بن محمد الواثق بالله ، عن البغوي .

20686 - الصحيح في هذا الحديث ذكر النذر .

[ ص: 9 ] 20687 - وحماد بن خالد ثقة ، إلا أنه كان أميا .

20688 - قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني : لم يرو هذا الحديث هكذا عن حماد بن خالد إلا شجاع بن مخلد .

20689 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " كثيرا من أسانيد هذا الحديث .

20690 - ومن هذا الباب مع ترجمته ، مع حديث ابن عباس هذا : يخرج الحي عن الميت متطوعا عنه ، أو مستأجرا عليه .

20691 - واختلف أهل العلم في النذر الذي كان على سعد بن عبادة .

20692 - فقال قوم : كان صياما .

20693 - واستدلوا على ذلك بحديث الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي ماتت وعليها صوم يوم أفأصوم عنها ؟ قال : نعم .

[ ص: 10 ] 20694 - قال أبو عمر : لا يصح أن يجعل حديث الأعمش هذا مفسرا لحديث الزهري ; لأنه قد اختلف فيه عن الأعمش ، فقال فيه عنه قوم بإسناده أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه - وسلم فقالت : " إن أمي ماتت وعليها صيام . . . . " ، وهذا يدل على أنه ليس السائل عن ذلك سعد بن عبادة .

20695 - وقد كان ابن عباس يفتي بأن لا يصوم أحد عن أحد .

20696 - ذكره السدي ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن يزيد بن زريع ، عن حجاج الأحول ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

20697 - وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيمن مات وعليه صيام ، هل يصوم عنه وليه ؟ في باب الصيام ، والحمد لله ، وذكرنا الاختلاف عن ابن عباس في هذه [ ص: 11 ] المسألة هناك .

20698 - وقال بعض أهل العلم : إن النذر الذي كان على أم سعد بن عبادة كان عتقا .

20699 - وكل ما كان في مال الإنسان واجبا ، فجائز أن يؤديه عنه غيره ، إن شاء .

20700 - واستدلوا على ذلك بحديث القاسم بن محمد : أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إن أمي ماتت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ قال : نعم . قالوا : وهذا يفسر النذر المجمل الذي ذكره ابن عباس في حديث ابن شهاب : أن أم سعد بن عبادة نذرته .

20701 - وقال آخرون : كان النذر على أم سعد بن عبادة صدقة .

20702 - واستدلوا على ذلك بحديث مالك ، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده ، أن سعد بن عبادة خرج في بعض المغازي ، فحضرت أمه الوفاة ، فقيل لها : أوصي ، قالت : فيم أوصي ، وإنما المال مال سعد ، وتوفيت قبل أن يقدم سعد ، فلما قدم ذكر ذلك له ، فقال سعد : يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم ، فقال سعد : حائط كذا صدقة عنها لحائط سماه .

[ ص: 12 ] 20703 - قال أبو عمر : ليس في هذا دليل بين على أن النذر المذكور في حديث ابن عباس هو هذا ، بل الظاهر في هذا الحديث أنه وصية ، والوصية غير النذر في ظاهر الأمر .

20704 - ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذرا ، أو غير نذر

20705 - وقد ذكرنا في التمهيد ، حديث حميد ، عن أنس قال : قال سعد بن عبادة : يا رسول الله ؟ إن أم سعد ماتت تحت الصدقة ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم ، وعليها بالماء .

20706 - وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل .

20707 - وقال آخرون في حديث ابن عباس : إن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقضه عنها " .

20708 - قالوا : بل كان ذلك نذرا مطلقا لا ذكر فيه لصيام ، ولا عتق ، ولا [ ص: 13 ] صدقة .

20709 - قالوا : ومن جعل على نفسه نذرا ، فكفارته كفارة يمين عند أكثر العلماء .

20710 - وروي ذلك عن عائشة ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة من التابعين .

[ ص: 14 ] 20711 - وروى الثوري ، عن أبي معشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر : أنه سئل عن النذر ؟ ، فقال : أغلظ الأيمان ، فإن لم تجد ، فالتي تليها فإن لم تجد ، فالتي تليها ، فإن لم تجد ، فعدل الرقبة ، ثم الكسوة ، ثم الإطعام .

20712 - وقد روي هذا عن ابن عباس ، ذكره ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في الرجل يحلف بالنذر أو الحرام ، فقال : لم يأل أن يغلظ على نفسه بعتق رقبة ، أو بصوم شهرين ، أو بإطعام ستين مسكينا .

20713 - وذكر عن عبدة بن سليمان ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس مثله .

20714 - وعن ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله .

20715 - وعن ابن عيينة قال : النذر إذا لم يسمه صاحبه ، فهي أغلظ الأيمان ، ولها أغلظ الكفارات .

20716 - وهو قول ابن مسعود على اختلاف عنه .

20717 - وقد روي عنه : عليه عتق رقبة .

20718 - وقال معمر ، عن قتادة : اليمين المغلظة : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا .

[ ص: 15 ] 20719 - وذكر ابن أبي شيبة ، عن عبد الرحيم بن سليمان ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر مثله .

20720 - وقال الشعبي إني لأعجب ممن يقول : النذر يمين مغلظة .

20721 - ثم قال : عليه إطعام عشرة مساكين .

20722 - وقاله الحسن ، وهو قول إبراهيم ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاوس ، وجابر بن زيد ، وجماعة الفقهاء أهل الفتيا بالأمصار .

20723 - قال أبو عمر : هذا أقل ما قيل في ذلك ، وهو الصحيح ; لأن الذمة أصلها البراءة إلا بيقين .

20724 - وقد قيل : إن الأول في مثل هذا كالإجماع .

20725 - وقد روي في النذر المبهم كفارته كفارة يمين حديث مسند ، وهو أعلى ما روي في ذلك وأجل .

20726 - حدثنا سعد ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن رافع ، عن خالد بن يزيد ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من نذر نذرا فلم يسمه ، فعليه كفارة يمين "

[ ص: 16 ] 20727 - وقد روي عن خالد بن زيد فيمن قال : علي نذر ، قال : إن سمى مشيا ، فهو ما سمى وإن نوى ، فهو ما نوى . وإن لم يكن صام يوما ، أو صلى ركعتين .

20728 - واختلفوا في وجوب قضاء النذر عن الميت على وارثه .

20729 - فقال أهل الظاهر : يقضيه عنه وليه الوارث ، هو واجب عليه ، صوما أو مالا .

20730 - وقال جمهور الفقهاء : ليس ذلك على الوارث بواجب وإن فعل فقد أحسن ، إن كان صدقة عتقا .

20731 - واختلفوا في الصوم على ما مضى في كتاب الصيام .

20732 - واختلفوا أيضا إذا أوصى به .

20733 - فقالت طائفة من العلماء : هو في ثلثه .

20734 - وقال آخرون : واجب عليه في ثلثه .

20735 - وقال آخرون : كل واجب عليه في حياته أوصى به فهو رأس .

20736 - وقد ذكرنا القائلين بذلك كله في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية