الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1026 982 - وأما حديث مالك ، عن عبد الله بن أبي حبيبة ، قال : قلت لرجل ، وأنا حديث السن : ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ، ولم يقل علي نذر مشي . فقال لي رجل : هل لك أن أعطيك هذا [ ص: 25 ] الجرو ، لجرو قثاء في يده ، وتقول : علي مشي إلى بيت الله ؟ قال فقلت : نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن . ثم مكثت حتى عقلت . فقيل لي : إن عليك مشيا . فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك ؟ فقال لي : عليك مشي . فمشيت .

20785 - قال مالك : وهذا الأمر عندنا .


20786 - . قال أبو عمر : قول مالك : " وهذا الأمر عندنا " خرج على أن قول القائل : علي مشي إلى بيت الله ، أو علي نذر مشي إلى بيت الله . ( نوى ) .

20787 - وهو مذهب ابن عمر ، وطائفة عن العلماء .

20788 - وذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر في الرجل يقول : علي المشي إلى الكعبة ، قال : هذا نذر ، فليمش .

20789 - قال أبو عمر : جعل ابن عمر قوله : علي المشي ، كقوله : علي نذر مشي إلى الكعبة .

20790 - قال : وحدثنا ابن يزيد ، عن هشام بن عروة ، قال : جعل رجل على نفسه المشي إلى بيت الله في شيء ، فسأل القاسم ؟ فقال : يمشي إلى البيت .

20791 - قال : وحدثني معتمر بن سليمان عن ليث ، عن أبي معشر ، عن [ ص: 26 ] يزيد بن إبراهيم التيمي ، قال : إذا قال : لله علي حجة ، أو قال : علي حجة ، أو قال : لله علي نذر ، أو قال : علي نذر ، فذلك كله سواء .

20792 - قال أبو عمر : هذا قول مالك وجماعة من العلماء ، إلا أن المعروف عن سعيد بن المسيب غير ما ذكره عنه عبد الله بن حبيبة .

20793 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن محمد بن هلال ، سمع سعيد بن المسيب يقول : من قال : علي المشي إلى بيت الله ، فليس بشيء إلا أن يقول : علي نذر مشي إلى الكعبة .

20794 - وروى عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب مثله .

20795 - وعن ابن القاسم بن محمد أنه سئل عن رجل جعل على نفسه المشي إلى بيت الله ؟ فقال القاسم : أنذر ؟ قال : لا . قال : فليكفر يمينا .

20796 - قال أبو عمر : أظن سعيد بن المسيب جعل قول القائل : " علي المشي " ، من باب الإخبار بالباطل ; لأن الله تعالى لم يوجب عليه مشيا في كتابه ، ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قال : " نذر مشي " كان قد أوجب على نفسه المشي ، فإن كان في طاعة لزمه الوفاء به ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " .

[ ص: 27 ] 20797 - فهم لا يرون في قول الرجل " علي المشي " شيئا ، حتى يقول : " نذرت " ، أو " علي نذر مشي " أو علي لله المشي " ، وذا على وجه الشكر لله ، وطلب البر والحمد فيما يرجو من الله .

20798 - فالنذر الواجب في الشريعة إيجاب المرء فعل البر على نفسه ، هذا حقيقة اللفظ عند العلماء .

20799 - قال أبو عمر : في مسألة عبد الله بن أبي حبيبة ما ينكره ويخالف ما فيه أكثر أهل العلم .

20800 - وذلك أنه نذر على مخاطرة ، والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرات .

20801 - وهذا لم يكن له نية ، ولا إرادة فيما جعل على نفسه فيلزم ، فكيف يلزمه ما لا يقصد عن طاعة ربه .

20802 - وفي حديث سعيد بن المسيب خلاف ما روى عنه غيره من الثقات .

20803 - قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيمن جعل على نفسه المشي إلى مكة ، أنه لم يرد به الحج على نفسه حجا ، ولا عمرة .

20804 - قال أبو عمر : إنما أدخل مالك حديث ابن حبيبة هذا ، لأن فيه إيجاب المشي دون ذكر النظر .

[ ص: 28 ] 20805 - وقد روي عن مالك أن ابن أبي حبيبة كان يومئذ قد احتلم . وقوله : " ثم مكثت حتى عقلت " يريد حتى علمت ما يجب علي ، لا أنه كان صغيرا لا تلزمه العبادات ، وعلى هذا يجري قول مالك : الصغير لا يلزمه حق لله تعالى في بدنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية