الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1029 [ ص: 48 ] ( 4 ) باب ما لا يجوز من النذور في معصية الله تعالى

986 - ذكر فيه مالك ، عن حميد بن قيس ، وثور بن زيد الديلي ; أنهما أخبراه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قائما في الشمس . فقال " ما بال هذا ؟ " فقالوا : نذر أن لا يتكلم ، ولا يستظل من الشمس ، ولا يجلس ، ويصوم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مروه فليتكلم ، وليستظل ، وليجلس ، وليتم صيامه " .

[ ص: 49 ] 20915 - قال مالك : ولم أسمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بكفارة ، وقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتم ما كان لله طاعة ، ويترك ما كان لله معصية .


20916 - قال أبو عمر : هذا الحديث يتصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه من حديث جابر ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث قيس بن حازم ، عن أبيه ، عن - النبي صلى الله عليه وسلم - ومن حديث طاوس ، عن أبي إسرائيل - رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .

20917 - وأظن - والله أعلم - أن حديث جابر هو هذا ; لأن مجاهدا رواه عن جابر ، وحميد بن قيس صاحب مجاهد .

20918 - قال : حدثناه أبو عمر أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن جرير .

قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضيل ، عن محمد بن إسحاق .

عن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر ، فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة وليصومن ذلك اليوم ، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما شأنه " ؟ فأخبروه ، فأمره أن يجلس ويتكلم [ ص: 50 ] ويصوم ، ولم يأمره بكفارة .

20919 - وفيه دليل على أن السكوت عن ذكر الله ليس من طاعة الله .

20920 - وكذلك الجلوس للشمس ، وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه بنص كتاب ، أو سنة .

20921 - وكذلك الحفاء وغيره مما لم ترد الشريعة بصنعه إذ لا طاعة لله فيه ، ولا قربة .

20922 - وإنما الطاعة ما أمر الله ورسوله يتقرب بعمله إلى الله عز وجل .

20923 - ويدل أيضا أن كل ما ليس له بطاعة ، حكمه حكم المعصية في أنه لا يلزم الوفاء به ، ولا الكفارة عنه ، وهو معنى قول مالك في الموطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية